Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

حق المواطنة.. (3)

حق المواطنة.. (3)

إن من الأمثلة الحية على حفظ حقوق غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، ما وقع في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث أراد واليه على مصر عمرو بن العاص أن يوسع في بناء مسجد على حساب قطعة أرض تابعة للكنيسة القبطية، ولما علم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالأمر، أمر عمر بن العاص أن يهدم هذا الجزء من المسجد وإعادته إلى الكنيسة.

والمثال الثاني: أن عمر بن الخطاب رأي يوماً رجلاً هرماً من اليهود لا يقوى على العمل ولا معيل له، فأمر له براتب شهري، فكان هذا النظام في كفالة غير المسلمين في راتب تقاعدي سابقة تاريخية لم يعرف العالم لها مثيلاً، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من فرض رواتب المتقاعدين في التاريخ الإنساني، عندما أمر أن يدفع لكل من لا يعمل أن يدفع له راتب شهري من بيت مال المسلمين، ولو كان غير مسلم.

هذه هي المواقف الإسلامية من المواطنين غير المسلمين في الدول الإسلامية، والذين لم يوصفوا في النصوص الإسلامية ولا في الفقه الإسلامي بمصطلح الأقليات؛ لأن مصطلح الأقليات يجعل منهم جزءاً غير طبيعي بالنسبة إلى الكل، وهذا ما لم تسعى له النصوص الإسلامية، التي تنظر لكل الناس أبناء أسرة واحدة، وما أوردناه من صحيفة المدينة يبين أن هذه المواقف هي من النصوص الشرعية الأصلية، والتاريخ الإسلامي حافل بالأمثلة على احترام غير المسلمين في كل الدول الإسلامية، وبالأخص في أوروبا نفسها عندما تعايش المسلمون في الأندلس مع اليهود والنصارى، بصورة لا مثيل لها في التاريخ الإنساني[1].

وأما موقف غير المسلمين من الأقليات المسلمة فالأمر مذهل ومريع، سواء في التراث المسيحي أو في العصر الغربي الحديث، أما في التراث المسيحي فنترك أهله يتحدثون عنه، فقالت الباحثة الرومانية كارين آرمسترونغ، في كتابها: “الإسلام في مرآة الغرب محاولة جديدة في فهم الإسلام“، قالت: “ما الذي حدث لعشرات الآلاف من المسلمين داخل حدود المسيحية في اسبانيا وصقلية بعد (فتحهما)؟ لقد فرضت المؤسسة الدينية سبيلاً وحيداً للتعامل مع هؤلاء الأجانب، لقد اتبعت سياسة تمييز عنصري رسمية، فقد منعت المسيحيين من إقامة أي احتكاك مع جيرانهم المسلمين واليهود، وصدر تشريع كنسي خاص ربط بين الاثنين كعدوين مشتركين في مجلس لاتيران المنعقدين في عامي 1179م، و 1215م.

لقد حظر على المسيحيين القيام بأعمال في منازل المسلمين أو اليهود، وهددوا جراء ذلك بالمقاطعة ومصادرة أملاكهم وكذلك إذا اعتنوا بأطفالهم، أو تاجروا معهم، أو حتى إذا أكلوا معهم، وقد أضاف البابا غريغوري التاسع البنود التالية في عام 1227: ينبغي على المسلمين واليهود أن يرتدوا ملابس تميزهم عن غيرهم، وينبغي ألا يخرجوا إلى الشوارع العامة أثناء الاحتفالات المسيحية، أو أن يشغلوا وظائف عامة في البلدان المسيحية، وكان محرماً على المؤذن أن يؤذن داعياً إلى الصلاة؛ لأن ذلك يسيء إلى مسامع المسيحيين، لقد أعلن البابا كليمنت الخامس (1305-1314م) أن الوجود الإسلامي على التراب المسيحي إهانة لله. وكان المسيحيون قد بدؤوا يزيلون هذه (الفاحشة) كما كانوا يسمونها، قبل هذا الإعلان.

وفي عام 1301م كان شارل أنجو ملك فرنسا قد استأصل آخر المسلمين في صقلية، وجنوبي إيطاليا في معتقل لوسيرا (lucera) الذي وصفه بـ “عش للطاعون” شنيع في تلوثه؛ الوباء العنيد، والعدوى القذرة في ابوليا (Apulia)”. وبحلول عام 1492م دمر المعقل الإسلامي الأخير عندما استولى فرديناد وإزابيلا على غرناطة. وبعد سنوات قليلة تم تخيير المسلمين الأسبان بين الترحيل أو تغيير دينهم، ففضل كثيرون مغادرة أوروبا، بينما تحول البعض إلى المسيحية، فتعرضوا هم وأحفادهم للاضطهاد على يد محاكم التفتيش الاسبانية طوال /300/ سنة تلت[2].

هذه نبذة تاريخية عن معاملة غير المسلمين للمسلمين في التراث المسيحي، وفي العصر الحديث وبعد خروج العالم المسيحي من الخضوع لتدخلات الكنيسة في الحياة العامة، وتحول الغرب إلى العلمانية، وجد بعض المسلمين في الغرب ملاذاً ومأوى ومصدر حياة، ورفاهية لم يجدوها في بلادهم، ووجد الإسلام له في الغرب آذاناً صاغية، وقلوباً مطمئنة، وعقولاً حرة، واخذ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فغاظ ذلك المفسدون في الأرض، فعملوا على إفساد هذا التفاهم الإسلامي المسيحي، وأوقدوا نار الحروب بين المسيحيين والمسلمين، فعادت الآلام والمآسي إلى الأقليات المسلمة في أوروبا وأمريكا.

إذ بالرغم من مرور قرون عديدة على إسلام مسلمي البوسنة، وهم أوربيون أصليون ويعيشون على أرضهم وفي بلادهم، إلا أنهم يجدون الاضطهاد والتطهير العرقي بسبب دينهم من غير المسلمين الذين يجاورونهم، أي أنهم لا يحتملونهم جيراناً، فكيف يحتملونهم مواطنين كاملي الحقوق والواجبات في غير بلادهم، وأما المسلمين في أوروبا وأمريكا والذين هاجروا إلى تلك البلاد منذ أكثر من قرن من الزمان أو أقل، فإنهم لا يزالون يعانون من التمييز العنصري والاحتقار والازدراء بالرغم من حملهم جنسيات الدول التي يعيشون فيها هم وأولادهم[3]، وفي مقابلة مع توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق، أعلن أنه عمل على تعديل قوانين حقوق الإنسان لتسهيل طرد الإسلاميين المتطرفين من بريطانيا، بالرغم من حملهم للجنسية البريطانية أو اللجوء السياسي فيها[4].

———————————————————————–

1. ندوات علمية حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام، مصدر سابق، ص: 78، حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة، محمد الغزالي، ص: 94.

2. الإسلام في مرآة الغرب (محاولة جديدة في فهم الإسلام)، (muhammad a western attemptto understand islam)، كارين آرمسترونغ، ترجمة محمد الجورا، دار الحصاد، دمشق، الطبعة الثانية، 2002م، ص: 30. والمؤلفة كارين آرمسترونغ أمضت سبع سنوات راهبة كاثوليكية رومانية قبل البدء ببحث لنيل درجة في اكسفورد، ودرست الأدب الانجليزي في القرنين التاسع عشر والعشرين في بيدفورد كوليج في جامعة لندن.

3. تطور الهوية الأمريكية العربية، ايرنست ماك كاروس، مصدر سابق، ص 115، وكتاب الديمقراطية وحقوق الإنسان، الدكتور محمد عابد الجابري، ص: 140، وكتاب فلسفة الإسلام في الإنسان، الدكتور علي عيسى عثمان، دار الآداب، بيروت، الطبعة الأولى، 1406هـ/ 1986، ص: 96.

4. صحيفة الغد الأردنية، يوم السبت، بتاريخ: 6/8/2005م.

أرسل تعليق