Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

الصلاة محل المناجاة

“الصلاة محل المناجاة، ومعدن المصافاة، تتسع فيها ميادين الأسرار، وتشرق فيها شوارق الأنوار، علم وجود الضعف منك فقلل أعدادها، وعلم احتياجك إلى فضله فكثر إمدادها”.

      الصلاة صلة بين الخالق والمخلوق، فهي هيئة مشروطة بشروطها وأركانها وفرائضها وأوضاعها وأوقاتها، هيئة يؤذن فيها للمخلوق بمناجاة خالقه، والاطراح بين يديه، ويعان فيها برفد رحمة الله على النظر في قلبه تطهيرا، وفي نفسه تزكية، وفي سياقه تشرّعا، مما يشكل في مجمله دعامات السير إلى الله تعالى، ولذلك سماها الشيخ بن عطاء الله رضي الله عنه “محلّ المناجاة ومعدن المصافاة” فهي باب الحضرة الصمدانية، ومُتدفّق السَّوْرة الملكوتية، ومارستان المعالجة، وديوان بسط الحوائج والرغائب، ورفع الشكاوى وبث المظالم، ومعتزل الجأر بالاستغفار والبوح بالأسرار، وصَفَاة تلقّي الهداية، وتشرب الرعاية، والتعرض للنفحات والسبح في السبحات، والرتع في رياض الملكوت، والغرق في حياض الجبروت، بما أذن لها الله شارعها أن تكون كذلك، مؤسسة تتسع فيها ميادين الأسرار وتشرق فيها شوارق الأنوار برحمته وجوده وكرمه تعالى.

      قول الشيخ رحمه الله: “علم وجود الضعف منك فقلّل أعدادها”، فيه إشارة لقول سيدنا موسى عليه السلام مرات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج: “فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ”، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم في حديث المعراج: “فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ حَطَّ عَنِّي خَمْسًا قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ قَالَ فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً قَالَ فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ” [ صحيح مسلم، ج1/ ص385].

      فكانت بركات الخمس كبركات الخمسين بفضل الله، لعلمه سبحانه وجود الضعف منا. وقوله رضي الله عنه “وعلم احتياجك إلى فضله فكثر إمدادها” فيه إشارة إلى عظم الإمداد رغم محدودية الاستمداد، يقول تعالى: “وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها، لا نسألك رزقا، نحن نرزقك، والعاقبة للتقوى” [سورة طه، الآية:131]، وقال عليه الصلاة والسلام: “أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا ما تقول ذلك يُبقي من درنه؟ قالوا لا يبقي من درنه شيئا، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا” [صحيح البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، رقم 505].

      والإمداد في الصلاة لا يقتصر على الفرد في ذاته، وإنما يتعدّى هذه الذات بعد غمرها بالبركات إلى الأمة، فالصلاة مؤسسة تَنْقُش في الأمة حسَّ النظام والانتظام، وملكة التطاوع والانسجام، وأخلاق الانضباط والاحترام، وتبسط فيها رفد الإلهام والإكرام. فالحمد لله ذي الإمداد والإنعام.

      والله المستعان وعليه التكلان.

الأمين العام

                                                            للرابطة المحمدية للعلماء

التعليقات

  1. عبد المجيد

    سرّ الصلاة الإقبال على الله

    سرُّ الصلاة وروحها ولبُّها، هو إقبال العبد على الله بكليّته فيها، فكما أنه لا ينبغي أن يصرف وجهه عن القبلة إلى غيرها فيها، فكذلك لا ينبغي له أن يصرف قلبه عن ربِّه إلى غيره فيها.

    بل يجعل الكعبة -التي هي بيت الله- قبلة وجهه وبدنه، ورب البيت تبارك وتعالى قبلة قلبه وروحه، وعلى حسب إقبال العبد على الله في صلاته، يكون إقبال الله عليه، وإذا أعرضَ أعرض الله عنه، كما تدين تُدان.

    للإقبال على الله في الصلاة ثلاث منازل

    والإقبال في الصلاة على ثلاثة منازل:

    * إقبال العبد على قلبه فيحفظه ويصلحه من أمراض الشهوات والوساوس، والخطرات المُبطلة لثواب صلاته أو المنقصة لها.

    * والثاني: إقباله على الله بمراقبته فيها حتى يعبده كانه يراه.

    * والثالث: إقباله على معاني كلام الله، وتفاصيله وعبودية الصلاة ليعطيها حقها من الخشوع والطمأنينة وغير ذلك.

    فباستكمال هذه المراتب الثلاث يكون قد أقام الصلاة حقاً، ويكون إقبال الله على المصلي بحسب ذلك.

    كيف يكون الإقبال في كل جزء من أجزاء الصلاة

    فإذا انتصب العبد قائماً بين يديه، فإقباله على قيُّومية الله وعظمته فلا يتفلت يمنة ولا يسرة.

    وإذا كبَّر الله تعالى كان إقباله على كبريائه وإجلاله وعظمته.

    وكان إقباله على الله في استفتاحه على تسبيحه والثناء عليه وعلى سُبحات وجهه، وتنزيهه عمَّا لا يليق به، ويثني عليه بأوصافه وكماله.

    فإذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، كان إقباله على ركنه الشديد، وسلطانه وانتصاره لعبده، ومنعه له منه وحفظه من عدوه.

    وإذا تلى كلامه كان إقباله على معرفته في كلامه كأنه يراه ويشاهده في كلامه كما قال بعض السلف: لقد تجلّي الله لعباده في كلامه.

    والناس في ذلك على أقسام ولهم في ذلك مشارب، وأذواق فمنهم البصير، والأعور، والأعمى، والأصم، والأعمش، وغير ذلك، في حال التلاوة والصلاة، فهو في هذه الحال ينبغي له أن يكون مقبلاً على ذاته وصفاته وأفعاله وأمره ونهيه وأحكامه وأسمائه.

    وإذا ركع كان إقباله على عظمة ربه، وإجلاله وعزه وكبرسائه، ولهذا شرع له في ركوعه أن يقول: "سبحان ربي العظيم".

    فإذا رفع رأسه من الركوع كان إقباله على حمد ربه والثناء عليه وتمجيده وعبوديته له وتفرده بالعطاء والمنع.

    فإذا سجد، كان إقباله على قربه، والدنو منه، والخضوع له والتذلل له، والافتقار إليه والانكسار بين يديه، والتملق له.

    فإذا رفع رأسه من السجود جثى على ركبتيه، وكان إقباله على غنائه وجوده، وكرمه وشدة حاجته إليهنّ، وتضرعه بين يديه والانكسار؛ أن يغفر له ويرحمه، ويعافيه ويهديه ويرزقه.

    فإذا جلس في التشهد فله حال آخر، وإقبال آخر يشبه حال الحاج في طواف الوداع، واستشعر قلبه الانصراف من بين يدي ربه إلى أشغال الدنيا والعلائق والشواغل التي قطعه عنها الوقوف بين يدي ربه وقد ذاق قلبه التألم والعذاب بها قبل دخوله في الصلاة، فباشر قلبه روح القرب، ونعيم الإقبال على الله تعالى، وعافيته منها وانقطاعها عنه مدة الصلاة، ثم استشعر قلبه عوده إليها بخروجه من حمى الصلاة، فهو يحمل همَّ انقضاء الصلاة وفراغه منها ويقول: ليتها اتصلت بيوم اللقاء.

    ويعلم أنه ينصرف من مناجاة مَن كلّ السعادة في مناجته، إلى مناجاة من كان الأذى والهم والغم والنكد في مناجاته، ولا يشعر بهذا وهذا إلا من قلبه حي معمور بذكر الله ومحبته، والأنس به، ومن هو عالم

  2. إيمان

    بسم الله الرحمن الرحيم

    والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

    ما أحوجنا، نحن أمة سيد الخلق، لمن يذكرنا بفضائل الصلاة التي جعلها الله عمادا للدين الحنيف.
    فبارك اللهم فيكم سيدي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء .

    الصلاة فريضة لابد للمسلم أن يؤديها قال الله تعالى: "ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون"،
    ونوه بمن يحافظ عليها إذ قال عز وجل: "قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى".

    قال الله عز وجل في حديث قدسي: (…وما تقرب إلي عبدي أحب مما افترضته عليه…).

    في هذه الحكمة يحدثنا سيدي ابن عطاء الله عن الصلاة وكأنه يحدثنا عن تواصل حقيقي معاش مجرب.
    فهذا العالم العارف العامل حين يصلي، فهو يصلي بقلبه ووجدانه، يناجي مولاه بكل ما أوتي من إخلاص فيزيده الله صفاء ونورا وإشراقا، وبهذه الأنوار تزداد معارفه.

    إن هذه الحكمة دعوة من ناظمها للمتلقي لكي يجتهد في طلب ما وجده من إمدادات لا حد لها . قال الله تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة".

أرسل تعليق