Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

السلوك الاستهلاكي في الإسلام.. الأسس والضوابط

اهتمت الشريعة الإسلامية بموضوع الاستهلاك اهتماما شموليا وأحاطت بأسسه العقدية والأخلاقية والتشريعية.

والاستهلاك يعتبر جزءا من النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يجمع بين المقومات المادية والمعنوية ويقيم التوازن بين المصالح الفردية والجماعية.

وقد صاغ الفقهاء نظرية للاستهلاك واضحة المعالم، تنظم مكوناته الثلاث:

• المكونات العقدية؛

• المكونات الأخلاقية؛

• المكونات التشريعية[1].

كما ربطوا موضوع الاستهلاك بباقي مقومات النظرية الاقتصادية الإسلامية، وتناولوه كجزء من منهج النظام الاقتصادي الإسلامي، فوضعوا له الضوابط التي تحكمه والمعايير التي تنظمه والقواعد التي تجمع بين ثوابت الشرع ومتغيرات الاجتهاد.

إن استقراء التراث الفقهي، يكشف لنا ما تختزنه أمهات كتب الفقه الإسلامي من اجتهادات وآراء حول موضوع الاستهلاك، انطلاقا من فهم النصوص، وتنزيل الفقه على الواقع ليواكب مسيرة الحياة.

أولا: علاقة الاستهلاك بالإنتاج

يعتبر الاقتصاديون أن الاستهلاك يشكل الحلقة الأخيرة في سلسلة النشاط الاقتصادي إلا أن هذه الحقيقة ليست كذلك، فإذا كانت الغاية من الإنتاج هي الاستهلاك؛ فإن هذا يعني أن المنتج يرسم تصورا أوليا حول نوعية المستهلك الذي يريد إشباع حاجاته، وبذلك تتحدد علاقة الإنتاج بالاستهـــلاك[2].

والإنتاج في الفقه الإسلامي لا يعني مجرد خلق المنفعة أو إنتاج السلع والخدمات وجعلها صالحة للاستهلاك، وقادرة على إشباع حاجات الناس المختلفة، وتحقيق أرباح واسعة لأرباب الإنتاج، ولكن مفهوم الإنتاج في الإسلام يتجاوز هذا البعد المادي، فهو محكوم بالمقاصد الشرعية، وهو بذلك يهتم بكل ما هو نافع شرعا في الدنيا والآخرة، سواء كانت له قيمة تبادلية أم لا.[3]

إن ربط الإنتاج بالبعد الأخروي يعكس أثر التصور العقدي في سلوك المنتج “لأن العامل النفسي يلعب دورا في الإنتاج والاستهلاك والإنفاق”[4].

فالإنتاج أمانة ومسؤولية يتحملها المنتج من أجل استخدام الموارد الاقتصادية بطريقة تنسجم والمقاصد الشرعية[5]؛ لأن المسلم يسأل عن ماله فيما أنفقه، والإنفاق قد يكون استثماريا، وقد يكون استهلاكيا؛ ولأنه تكليف اجتماعي باعتبار النيابة فيه من باب فرض الكفاية، فإذا لم يقم به أفراد المجتمع أثموا[6].

فالإنتاج في الفقه الإسلامي يخضع لقيود وضوابط ترتكز على[7] المبادئ الدينية والأخلاقية، وتستند إلى معيار المنفعة الشرعية التي تتخذ من الطيبات والحلال المقياس الصحيح للإنتاج، ذلك أن مبدأ الحلال والحرام يجسدان القيم والمثل العليا التي يؤمن بها الإسلام[8]، فكل ما كان حلالا يعتبر سلعة في المفهوم الإسلامي، وكل ما انطوى على ضرر ديني أو أخلاقي أو اجتماعي أو صحي لا يعتبر سلعة في المنظور الإسلامي. فالخمر والخنزير لا يعتبر سلعة في الإسلام، فعن جابر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: “إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة؛ فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا هو حرام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك قاتل الله اليهود، “إن الله عز وجل لما حرم عليهم شحومها جملوه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه[9].

يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..

——————————

1. سيأتي بيان هذه الأسس في الباب الثاني من هذه الدراسة.

2. الاقتصاد في ضوء الشريعة: بابلي، ص: 25، الكتاب اللبناني الطبعة الثانية، 1980.

3. المذهب الاقتصادي الإسلامي، عدنان خالد التركماني، ص: 344، التوجيه الإسلامي لعلم الاقتصاد: محمد صحري، ص: 14، دراسة منشورة بمجلة الاقتصاد الإسلامي، العدد: 171، السنة: 15، صفر 1416 هــ يوليوز 1995م.

4. أبحاث في الاقتصاد الإسلامي، لأستاذنا الدكتور محمد فاروق النبهان، ص: 14، مؤسسة الرسالة الطبعة الثانية، 1409هــ 1988م.

5. نموذج سلوكي لمنشأة إسلامية، مختار محمد متولي، ص: 420، قراءات في الاقتصاد الإسلامي إعداد مركز أبحاث الاقتصاد، جامعة الملك عبد العزيز كلية الاقتصاد والإدارة، جدة، الطبعة الأولى، 1407 هــ 1987م.

6. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: لشهاب الدين الرملي، ج: 8، ص: 50، طبع شركة مصطفى الحلبي وأولاده بمصر، 1386هــ/ 1967م.

7. النظرية الاقتصادية من منظور إسلامي: شوقي احمد دنيا، ص: 84، مكتبة الخريجي، الرياض، الطبعة الأولى1404هــ/1984م.

8. الأصول العامة للاقتصاد الإسلامي: غازي عناي، ص: 75، دار الجيل، الطبعة الأولى،1411 هــ/1991م.

9. رواه البخاري في كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام، انظر البخاري بحاشية السندى، ج: 2، ص: 29 دار الفكر، بدون تاريخ.

• وأبواب داود في سننه في كتاب البيوع، باب في ثمن الخمر والميتة، ج: 3 ص: 279، سنن أبي داود، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر بدون تاريخ.

• وأبواب داود في سننه في كتاب البيوع، باب في ثمن الخمر والميتة، ج: 3 ص: 279، سنن أبي داود، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر بدون تاريخ.

• ولابن القيم الجوزي، تحليل قيم لهذا الحديث فهو يقول: “اشتملت هذه الكلمات الجوامع على تحريم ثلاثة أجناس: مشارب تفسد العقول ومطاعم تفسد الطباع، وتغذي غداء خبيثا، وأعيان تفسد الأديان، وتدعوا إلى الفتنة والشرك.

• فصان بالتحريم الأول العقول عما يزيلها ويفسدها، وبالثاني القلوب عما يفسدها من وصول أثر الغداء الخبيث إليها والغاذي شبيه بالمغتذي، وبالثالث الأديان عما وضع لإفسادها، فتضمن هذا التحريم صيانة العقول والقلوب والأديان.

• زاد المعاد: لابن القيم، تحقيق شعيب الأرناؤوط، عبد القادر الأرناؤوط، ج: 5، ص: 546، مؤسسة الرسالة الطبعة السادسة، 1404هــ/1984م.

أرسل تعليق