Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

السلوك الاستهلاكي في الإسلام.. الأسس والضوابط

رابعا: مفهوم الاستهلاك عند الباحثين في الاقتصاد الإسلامي

تداول الباحثون في الاقتصاد الإسلامي هذا المصطلح، إلا أن طبيعة هذا التناول اختلفت فيما بينهم. ونشير إلى أن هؤلاء الكتاب لا يشكلون مدرسة واحدة، ولكن اتجاهات يمكن تقسيمها إلى ما يلي:

الاتجـاه الأول: وينطلق في دراسته لمفهوم الكلمة على أساس أنها الوجه المقابل لعملية الإنتاج، إلا أن أصحاب هذا الاتجاه ينقسمون إلى فريقين: فريق يتبنى تعريف الاقتصاد الوضعي لهذا المصطلح، ويحاول أن يلبس هذا التعريف مضمونا إسلاميا، فقد عرفه هؤلاء: “بأنه التناول الإنساني المباشر للسلع والخدمات لإشباع رغبات الإنسان وحاجاته[1].

وفريق حاول إغناء مضمون الكلمة انطلاقا من أصولها القديمة، وربطها بتحصيل المنفعة، فالاستهلاك عند هؤلاء: “هو إتلاف عين بإفناء عينها، أو بإذهاب منافعها في تحصيل منفعة، يقال: استهلك الماء إذا صرفه في الشرب أو السقي، ولم يبق منه شيئا، واستهلك الآلة إذا ذهبت منافعها بالعمل والإنتاج[2].

فهذا التعريف قد أضاف عنصرا جديدا وهو القصد إلى تحصيل المنفعة، كما أنه جمع بين الاستهلاك النهائي والوسيط في قوله: بإفناء عينها أو بإذهاب منافعها؛

الاتجـاه الثانـي: ويرفض أصحابه استخدام هذا المصطلح ويرى هؤلاء أن الترجمة الحقيقية لهذا اللفظ هو لفظ الانتفاع[3]. وحجتهم أن هذا المعنى مأخوذ من معنى قرآني وهو النفع. “وهو ما يستعان به في الوصول إلى الخيرات، وما يتوصل به إلى الخير فهو خير[4].

ولذلك يعبر بعض الباحثين في الاقتصاد الإسلامي بهذا المصطلح كأحد مرادفات الاستهلاك. ولكن هذا المفهوم لا يمكن أن يعبر عن حقيقة هذا المصطلح، ولا يمكن أن يتميز به عن غيره من المصطلحات، كالإنتاج والتداول والتوزيع، ذلك أن مفهوم الانتفاع يصاحب جميع أوجه النشاط الاقتصادي التي يقوم بها المسلم، فهو حين يستثمر ماله يقصد الربح لينتفع به، وهو حين يمارس البيع ينتفع بالثمن، في حين ينتفع غيره بالسلعة.

فمفهوم الانتفاع مفهوم عام يصاحب جميع الأنشطة التي يباشرها المسلم[5]، ولذلك لا ضير إذا أبقينا على مصطلح الاستهلاك، مادام الانتفاع أحد مقومات الاستهلاك، ومادام الفقهاء قد تكلموا “عن استهلاك المسلم للسلع والخدمات سواء باستخدام هذا المصطلح أو مصطلحات أخرى[6]. إذ أن المسلم يستهلك لينتفع، ولذلك فالاستهلاك انتفاع بالنسبة إليه، ولكن في جانب من جوانب النشاط الاقتصادي.

الاتجـاه الثالـث: وينطلق أصحابه من الوظيفة التي يؤديها الإنفاق، فما كان الغرض منه الربح وزيادة دخل الشخص سمي إنفاقا استثماريا، وما كان الغرض منه تحقيق إشباع نفسي أو عضوي كإنفاق الشخص على نفسه، ومن تلزمه نفقته سمي إنفاقا استهلاكيا[7].

والملاحظ أن مصطلح الاستهلاك داخل هذا الاتجاه أصبح وجها من أوجه الإنفاق.

الاتجـاه الرابـع: وينطلق من تحديد مفهوم الاستهلاك باعتبار المقاصد[8]، والمآلات التي تترتب عن هذه العملية، ذلك أن الاستهلاك -حسب هذا الاتجاه- يتحدد في الإنفاق على السلع والخدمات من أجل الوفاء بحاجات الفرد والمجتمع[9].

وليس الاستهلاك في نظر هؤلاء تحقيقا للذة أو متعة، أو إشباع حسي لرغبات الإنسان، وإنما الهدف منه هو تحقيق العبودية لله، فهو “عملية فزيولوجية سيكولوجية يترتب عنها توليد الطاقة داخل الجسم[10].

يُتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..

—————————-

1. المفاهيم الاستهلاكية في ضوء القرآن والسنة النبوية: زيد بن محمد الرماني، ص: 23 سلسلة دعوة الحق تصدرها رابطة العالم الإسلامي، السنة الثالثة عشر، رمضان 1415 هـ، العدد: 153.

  • النظرية الاقتصادية من منظور إسلامي: شوقي أحمد دنيا، ص: 91 مكتبة الخريجي الرياض، الطبعة الأولى 1404هـ- 1984م.
  • الاقتصاد الإسلامي: عبد المنعم عفر، ج: 4 ص: 124 دار البيان العربي، جدة، الطبعة الأولى 1405هـ -1985م.

2. مباحث في الاقتصاد الإسلامي: محمد رواس قلعة جي، ص: 94 دار النفائس لبنان، الطبعة الأولى 1412هـ -1991 م

3. نظريات التنمية السياسية: محمد نصري عارف، ص:401 المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الثانية 1413هـ – 1993م.

4. معجم مفردات ألفاظ القرآن: للراغب الأصفهاني، ص: 532.

5. خصائص الاقتصاد الإسلامي وضوابطه الأخلاقية: محمد محمود بابللي، ص: 47 المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ -1988م.

6. في الاقتصاد الإسلامي المرتكزات، التوزيع: رفعت السيد العوضي، ص: 26 سلسلة كتاب الأمة، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر، العدد: 24 الطبعة الأولى، شعبان 1401هـ.

7. إنفاق العفو في الإسلام بين النظرية والتطبيق: يوسف إبراهيم يوسف، ص: 56 سلسلة كتاب الأمة، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر، الطبعة الأولى 1414هـ.

8. صياغة إسلامية لجوانب من دالة المصلحة الاجتماعية ونظرية سلوك المستهلك: محمد أنس الزرقاء، ص: 156 ندوة قراءات في الاقتصاد الإسلامي، المنشورة بمجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي التي تصدرها جامعة الملك عبد العزيز كلية الاقتصاد والإدارة جدة، الطبعة الأولى 1407هـ -1987م.

9. La fonction de consommation dan un contexte islamique: Boualem Ben Djilali au séminaire sur l’introduction à l’économie islamique, Marrakech, Maroc, 1996, p: 2.

10. الاقتصاد الإسلامي: حسين غانم، ص: 57 دار الوفاء، مصر. الطبعة الأولى،1411هـ – 1991م.

أرسل تعليق