Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الخطاب الشرعي والقواعد النسقية للتأويل.. (14)

حينما أقر العلماء بأن العرف دليلا يستند إليه الفقيه، وضعوا له جملة من الضوابط تضمن له الصحة والإلزامية وتنحصر إجمالا فيما يلي:

أن يكون العرف غير مناقض لنص أو أصل شرعي، حيث لا يعتبر من الأعراف إلا ما وافق أصول الشرع ولم يرجع عليها بالإبطال[1].

أن يكون العرف في محيط العمل به مطردا أو غالبا، “بحيث يكون جاريا بين متعارفيه في جميع الحوادث[2].

أن يكون العرف سابقا أو مقارنا لزمن الشيء الذي يراد حمله على العرف[3]، وقد حرر القرافي هذا الضابط بقوله: “إنما يعتبر من العوائد ما كان مقارنا لها، فكذلك نصوص الشريعة لا يؤثر في تخصيصها إلا ما قارنها من العوائد[4]. كما بين أن “العوائد الطارئة بعد النطق لا يقضى بها على النطق، فإن النطق سالم عن معارضتها، فيحمل على اللغة ، ونظيره إذا وقع العقد في البيع فإن الثمن يحمل على العادة الحاضرة في النقد، وما يطرأ بعد ذلك من العوائد في النقود لا عبرة به في هذا البيع المتقدم، وكذلك النذر والإقرار والوصية إذا تأخرت العوائد عليها لا تعتبر[5].

الخطاب الشرعي والقواعد النسقية للتأويل.. (14)

إذا فهمنا العرف هذا الفهم وسلكنا به هذا المسلك المضبوط، أدركنا جليا عدم وجاهة رأي الباقلاني فيما ذهب إليه من منع تخصيص العام بعادة المخاطبين، وهذه عبارته في التقريب والإرشاد: “وإنما لم يجب ذلك لأن الشرع لم يوضع فيما ورد به من تحليل وتحريم وغير ذلك على عادة المكلفين، وإنما وضعه سبحانه على ما بينا من تديين عباده، وإن كان مبنيا على استصلاح المكلفين، وقد تكون المصلحة باتفاق في الإقرار لهم على العقود والأفعال المعتادة بينهم، وقد يكون في ترك ذلك والتعبد بضده، وبهذا قرر عليهم عبادات ليست في عادتهم وحظر عليهم أفعالا ومأكلا وعقودا كانت معتادة عندهم، فهذا ما لا شبهة لهم فيه وفي إبطاله لمن أوجب تخصص العام بعادة المخاطبين، ولا فرق بين أن تكون العادة المتقررة بينهم عادة شرعية أو مألوفة منهم بغير شرع، فإذا جاء الخطاب العام يمنع ذلك وجب منع جميعه[6].

والحق أن اعتبار العوائد في ضوء الضوابط المذكورة والحدود المسطورة لا يتنافى مع أصل “التديين” الذي وضعت عليه التكاليف، بل هي -أي العوائد- من مقتضاه، ومراعاتها من لوازم فهم النصوص وتنزيلها في ميدان العمل والتجربة، والأخذ بها يوافق كل الموافقة قصد الشارع. وبهذا يتبين أن “العوائد الجارية ضرورية الاعتبار شرعا، كانت شرعية في أصلها أو غير شرعية، أي سواء كانت مقررة بالدليل شرعا أمرا أو نهيا أو إذنا أم لا. أما المقررة بالدليل فأمرها ظاهر، وأما غيرها فلا يستقيم إقامة التكليف إلا بذلك، فالعادة جرت بأن الزجر سبب الانكفاف عن المخالفة، كقوله تعالى: “ولكم في القصاص حياة” [البقرة، 178]، فلو لم تعتبر العادة شرعا لم ينحتم القصاص ولم يشرع، إذ كان يكون شرعا لغير فائدة”[7]. ثم إنه لما حصل القطع باعتبار الشارع للمصالح، “لزم القطع بأنه لابد من اعتباره العوائد، لأنه إذا كان التشريع على وزان واحد دل على جريان المصالح على ذلك، لأن أصل التشريع سبب المصالح، والتشريع دائم كما تقدم، فالمصالح كذلك، وهو معنى اعتباره للعادات في التشريع[8]. وأخيرا إن عدم اعتبار العوائد مؤد إلى تكليف ما لا يطاق، “وهو غير جائز أو غير واقع[9].

يتبع في العدد المقبل…

————————-

1. انظر العرف والعمل في المذهب المالكي، عمر الجيدي، ص: 107.

2. مباحث في المذهب المالكي بالمغرب، عمر الجيدي، ص: 230.، ط 1، 1993، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط.

3. العرف والعمل، ص: 112.

4. شرح تنقيح الفصول، ص: 211.

5. شرح تنقيح الفصول، ص: 211.

6. التقريب والإرشاد الصغير، 3/253.

7. الموافقات، 2/218.

8. الموافقات، 2/219.

9. نفسه، 2/219.

أرسل تعليق