Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الخطاب الشرعي والقواعد النسقية للتأويل.. (15)

[أما المخصصات السمعية فتشمل أقساما أهمها]

1. تخصيص الكتاب بالكتاب

ذهب الجمهور إلى جواز تخصيص الكتاب بالكتاب خلافـا لبعض الظاهريـة[1]، ومستند الجواز كونه واقعا بكثرة في القرآن الكريم. ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: “والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء” [البقرة، 226] فهذا النص يوجب بعمومه التربص ثلاثة قروء على كل مطلقة، سواء كانت حاملا أم حائلا، وسواء كان طلاقها قبل الدخول أو بعده، غير أن ورود قوله تعالى: “وأولات الاَحمال أجلهن أن يضعن حملهن” [الطلاق، 4] أخرج من عموم النص الأول المطلقة الحامل، أما المطلقة قبل الدخول فخرجت هي أيضا من ذلك العموم بقوله تعالى: “يا أيها الذين ءَامنوا إذا نكحتم المومنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها” [الاَحزاب، 49] فلا تجب عليها العدة أصلا.

كما خص عموم قوله تعالى: “والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا” [البقرة، 232]. بقوله تعالى: “وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن“، فالآية الأولى توجب بعمومها كون عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، فخرج النساء الحوامل من هذا العموم بموجب الآية الثانية القاضية بأن كل حامل تنتهي عدتها بوضع الحمل، وبقيت الآية الأولى شاملة لغير الحامل.

الخطاب الشرعي والقواعد النسقية للتأويل.. (15)

وهنا يتضح أن التقابل بين العام والخاص في القرآن الكريم نسبي غير حقيقي، “بمعنى أنه لم يرد حكم عام شامل لأفراد، وحكم على فرد واحد من أفراد ذلك العام أو يوافقه، وإنما الذي ورد فيه عمومات بعضها أخص من بعض، فالخصوص المقابل للعموم هو خصوص نسبي لا حقيقي[2].

وحجة من منع تخصيص الكتاب بالكتاب “أن التخصيص تبيين فلا يحصل إلا بحديث لقوله تعالى: “وانزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم” [النحل، 44][3]، وقد رد ابن حزم هذا الاحتجاج بقوله: “ليس في الآية التي ذكرت أنه عليه الصلاة والسلام لا يبين إلا بوحي لا يتلى، بل فيها بيان جلي ونص ظاهر أنه أنزل تعالى عليه الذكر ليبينه للناس، والبيان هو بالكلام، فإذا تلاه النبي صلى الله عليه وسلم فقد بينه، ثم إن كان مجملا لا يفهم معناه من لفظه بينه حينئذ بوحي يوحى إليه إما متلو أو غير متلو، كما قال تعالى: “فإذا قرأناه فاتبع قرءَانه ثم إن علينا بيانه” [القيامة، 17-18]، فأخبر تعالى أن بيان القرآن عليه عز وجل، وإذا كان عليه فبيانه من عنده تعالى، والوحي كله متلوه وغير متلوه، فهو من عند الله عز وجل. وقد قال عز وجل “يبين الله لكم أن تضلوا” [النساء، 175]، وقال تعالى مخبرا عن القرآن: “تبيانا لكل شيء” [النحل، 89]، فصح بهذه الآية أنه تكون آية متلوة بيانا لأخرى، ولا معنى لإنكار هذا وقد وجد”[4].

وبين القرافي أن استدلال المانع بالآية المذكورة إنما هو بالمفهوم لا بالمنطوق، واستدلال المثبت بالآية (أي تبيانا لكل شيء) إنما هو من طريق المنطوق، والمفهوم لا يقوى قوة المنطوق[5].

يتبع في العدد المقبل..

———————————-

1. العقد المنظوم، القرافي، 2/388.

2. استنباط الأحكام من النصوص، أحمد محمد الحصري، ص: 225-226، ط 1، 1981، منشورات جامعة قاريونس، مطابع الشروق.

3. أنظر نشر البنو، 1/256.

4. الإحكام في أصول الأحكام، 1/82.

5. انظر العقد المنظوم، 2/391-392.

أرسل تعليق