Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الشباب رجال الفتح المنتظر

الصدع يزداد اتساعا بيننا وبين الآخر، والأيام الأخيرة تتراءى مشحونة بالمنعطفات والمنعرجات الحادة والتوتر، ولا أبالغ إذا قلت أننا بصدد مستقبل غامض حقا الأمر الذي يفتح الباب لكل الاحتمالات لمزيد من الاستقطابات، وخلق أوضاع قابلة لما هو أسوأ، رغم أن هناك محاولات لمساع خيرة تحاول لملمة الشمل؛ لأن بقعة الزيت المشؤومة لاتزال تسبح على الأرض طولا وعرضا، تلوح بأهوال لا يعلم عواقبها إلا الله عز وجل.

فالمستقبل يصنعه الإنسان، ولن يتحقق منه شيء إلا إذا سعى هو نفسه إلى تغييره، تلك سنة الكون وذلك منطق السماء، ومع هذا فهو مازال يحلم مع ألف ليلة وليلة في يومه وإن كان بلا غد، فهو بالتأكيد معزول عن العالم وتجارب الآخرين، ودون فهم لواقعه البئيس، دون ان يعرف أهداف الوحدة ومعنى التوحد والاندماج، وكلما كان الإنسان صغيرا في طموحه وتطلعاته، زاد عجزه عن تحديد خياراته واتجاهاته، ولاشك أن الخيارات تحتاج إلى إيثار يكون مشفوعا بأهداف إنسانية، لشق الطريق نحو المستقبل، ومن هنا فإنها في النهاية وسيلة لأهداف، وليست هدفا في ذاته.

وبذلك نستطيع أن نميز بين النجاح والفشل، ومن هذا المنطلق يتبين لنا أنه يجب أن تكون هناك عملية واعية تتعامل مع الواقع قصد تغييره والاستفادة من جميع الإمكانيات، مع الابتعاد عن المفهوم الخاطئ والشاسع، المتمثل في الخلط بين تطوير المعرفة وحيازة التكنولوجيا، وتطويع وسائل الخدمات، إلى تحفيز القادرين على عملية الإنتاج، وبما يؤدي إلى رفع مستوى الوعي، تلك هي الخطوة الأولى نحو التحول ومواكبة مناهج التجديد والحداثة، والإندماج في سبل التعايش مع الآخر، واختيار البدائل المناسبة بمحتواها الفكري غير التابع، وكيفية الاحتكاك والتبادل والتأثر مع الآخر وبالذات الآخر الأقوى.

وأخشى ما أخشاه أن تكون الأصالة في عرف البعض غطاء لتبرير عزلة وتحجر، أو إعجاب مبالغ فيه بالنفس دون وجه حق، فالأصالة بهذا المعنى وقوع في العنصرية والنرجسية وحب الذات وإيثار الانعزال والتقوقع على المشاركة والانفصال على الاتصال والتواصل، رغم أن الأصالة مطلوبة، لكن في كثير من الأحيان تنقلب إلى موقف مرضي، خاصة في حالة الضعف والتوجس من الآخر، فالأصالة الحق هي معايشة الحاضر دون عقد وتوترات وتشنج مع معطيات العصر، فالعلاقة مع الآخر على صعيد فكري لا تتجزأ، وهنا يكون الأداء قادرا على تصنيف الأفكار الصالحة وغير الصالحة.

الشباب رجال الفتح المنتظر

فالشباب الذي أخلص للمبدأ الذي اعتنقه حول حق الإنسان في أن يكون سيد نفسه وسيد حياته وعبدا لخالقه ورازقه، لذلك فهو أشبه شيء بنهر تطهر من الطمي الذي كان يحمله واستعاد الماء صفاءه وشفافيته، وتوحد لذلك البحر البشري وامتدت مياهه فوق مياه المحيط المالح الأجاج، بحيث يستقبل كل فرد وكأنه قطرة من قطراته شعاعا صافيا من أشعة الشمس في قوس قزح، وتكون هذه بمثابة بداية أخرى جديدة تتفاعل مع المؤثرات المحلية والعالمية حتى يبلغ الإنسان ذروته العليا، وهو يتجه إلى المجسد الحرام، وحول الكعبة الطائفون والعاكفون والركع السجود، في لقاء حميم بين حركة الجسم والفكر والقلب، وإبراز روح الجماعة في تماسكها، وفي نمو لا حدود له كل له شخصيته واحترامه، وتماسك قابل للامتداد.

والشباب اليوم خير من ينقل صورة للحياة الجديدة والفكر الجديد فيها عوض هذا الفقر، ومعالجة حكيمة من الإسلام ومبادئه الكريمة ونظام التكافل الاجتماعي، حتى لا يبقى معوزا ولا محتاجا.. رغم اختلاط الحابل بالنابل الذي تتراءى الحقيقة من خلاله سرابا ووحدة القوم دونها خرط القتاد، فلا فازت أمة أدمنت العجز وقبلت بالدون من العيش لأن بمقدور الشباب اختزال المسافة العريضة حتى يتجلى لأعين الناس ما يرضي أو يغيظ، واستجلاء الأبعد الأقصى ومن ثمة التعاون مع معطياته.

وإني وأيم الله لأرى في هذه الأجيال الحاضرة من الشباب النموذج الأسمى للفكر الممتاز الإنساني الباني، الفكر الذي لا يموت والجمال بعمقه الوضاء الرائع، ومزج بين هندسة فكرية تؤدي بالبشرية إلى الاطمئنان التام مع الباقي الخالد، والأمل في العطاءات القادمة منوط بنشاطات الشباب، إذ هم الجنود في معركة الحياة ورجال الفتح المنتظر، لتخطي الحواجز بانسياب وتناسق، والرد بالمنطق السليم على الدعاوى المغرضة بخطوات أكثر إحكاما في بيئة شاءها البعض لحجب الحقيقة بالنية الصادقة والغيرة الشديدة على واقعنا المر، والقدرة على التعبير بالكلمة الطيبة الواعية لتبزغ إرادة الإنسان بين دياجير الوهم وشعاب الخيال لتجعل مما هو كامن شيئا ظاهرا، ومما هو ظاهر شيئا له قيمة في الوجود والحياة.

وبالتقاء الكلمة الواعية بالفعل الإرادي يتحول ما هو ممكن إلى ما يجب أن يكون لأن الشباب في مستطاعه أن يترك بصماته في العلاقات الإنسانية، وما ينقله من صور ورؤى تعكس ما عجزت عن تحقيقه الدبلوماسية بأشكالها وأطرها وكسر الحواجز النفسية بين الإنسان وأخيه الإنسان، ببراءة بعيدة عن التصنع والتملق، ذلك لأن أهم ما يميز الشباب في هذا الزمن هو تحليه بنخوة وأريحية ونكران الذات، ومساعدة القريب والبعيد، وكون عواطفه صادقة كل الصدق لكفكفة دموع الآخرين، الشباب في مستطاعه فهم واقع عبء الحياة الجديد ليتنفس الناس الصعداء، ويعاودون الحياة من جديد بتعامل مع الإنسان وقضاياه المختلفة ليمد بصره إلى البعيد ويبتسم.

والله من وراء القصد

الوسوم

أرسل تعليق