Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

التراث المخطوط بالخزائن العلمية بمنطقة سوس

الواقع والتحديات والآفاق (3/2)

      أولا: واقع الخزانات العلمية التراثية بمنطقة سوس

      لقد تبين من خلال الزيارات المتكررة التي قمنا بها إلى العديد من الخزانات العلمية التراثية بالمنطقة؛ أن البحث التراثي في منطقة سوس بشكل عام بحاجة إلى معالجة شاملة تأخذ بعين الاعتبار واقع هذه الخزائن التي تفتقر إلى البنيات التحتية والموارد البشرية المؤهلة، فمنذ الاستقلال إلى الآن تقلص عددها إلى أكثر من النصف بفعل استمرار القرصنة الأجنبية، وكذا الاستنزاف الذي تعرض له هذا التراث من جراء عملية توارث وانتقال بعض أرصدة الخزائن الأسرية من فرد إلى مجموعة أفراد، مما ينتج عنه تشتت أرصدتها في أماكن متعددة، أضف إلى ذلك تحجر عقلية بعض الورثة الذين يقدسون الوثيقة فيقدمون على إقبار خزاناتهم مما يجعلها عرضة للرطوبة والأرضة… أمام هذا الواقع المعقد؛ تبقى هذه الخزائن وأرصدتها المخطوطة معرضة للضياع والانقراض مما يستلزم تكاثف جهود جميع المتدخلين في المجال من باحثين ومهتمين بالتراث وغيرهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والعمل على وضع خارطة طريق مستقبلية للنهوض بالبحث التراثي في المنطقة.

      1.  الخزانات التراثية العامة بمنطقة سوس

      أ‌-  خزانة الإمام علي بتارودانت

      تصنف “خزانة الإمام علي” ضمن كبريات المكتبات بالجنوب المغربي، وقد انقسم الباحثون حول تاريخ تأسيسها الحقيقي إلى فريقين؛ فريق يرجع تأسيسها إلى العصر السعدي[1]، وفريق يربط تأسيسها بحدث تأسيس “معهد محمد الخامس للتعليم الأصيل بتارودانت”[2] سنة 1957م، على يد الملك الراحل محمد الخامس بمبادرة من “جمعية علماء سوس”[3].

      ولترجيح هذا الطرح أو ذاك، لابد من البحث في تاريخ الخزائن العلمية بمدينة تارودانت، وأول عائق يصطدم به الباحث، هو قلة المراجع التي تؤرخ لهذه الخزائن، وإن كان العلامة محمد المختار السوسي قد أرخ لبعض الخزائن العلمية الموجودة بأحواز مدينة تارودانت، إلا أنه لم يؤرخ للتي توجد داخل المدينة باستثناء إشارات عابرة لخزانة السيد موسى القاضي[4].

      العلوم التي تغطيها مخطوطات الخزانة

      يمكن أن نصنف المخطوطات الموجودة بهذه الخزانة، حسب مادتها العلمية إلى مجموعتين؛ مجموعة الآداب والعلوم الإنسانية، ومجموعة العلوم البحثة، وداخل كل مجموعة نجد تصنيفات:
ففي مجموعة الآداب والعلوم الإنسانية، نجد ضمنها:

      1.  كتب الأجوبة، وتشمل الفتاوى، والنوازل، والدراسات الفقهية، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر[5] كتاب “أجوبة ابن داوود التاملي الرسموكي”المتوفي سنة 914هـ؛

      2.  كتب الحوليات، وتشتمل التاريخ، والرحلات، والأوصاف الجغرافية، أذكر منها كتاب: “الطرائف التالدة في كرامات الشيخين الوالد والوالدة” لمحمد بن المختار الكنتي؛

      3.  كتب اللغة والآداب، ومنها “شرح لامية الأفعال في تصريف الأفعال” لايبورك بن عبد الله بن يعقوب السملالي المتوفى سنة 1050 هـ؛

      4.  كتب التوحيد، ومنها كتاب “مختصر في علوم الدين” لعبد الله بن سعيد بن عبد المنعم الحاحي المتوفى 1012 هـ؛

      5.  كتب التصوف، ومنها “بشارة الزائرين الباحثين الصالحين” لداوود بن علي بن محمد السملالي الگرامي.

      أما مجموعة العلوم البحثة، فتنضوي تحتها مختلف العلوم التجريبية المعروفة قديما عند السوسيين، كالطب، والحساب، والمنطق، والرياضيات، والتوقيت، وغيرها من العلوم.

      ونظرا لقلة المخطوطات الموجودة بخزانة الإمام علي، التي تنتمي إلى هذه الحقول المعرفية، سنكتفي بنموذج في علم الفلك، وهو كتاب “المقنع” لمحمد بن سعيد المهدي بن محمد المرغتي المتوفى 1089 هـ.

      خزانة الإمام علي في أرقام:

      يتواجد مقر هذه الخزانة حاليا داخل ثانوية محمد الخامس للتعليم الأصيل الكائنة بشارع بئر إنزران وسط المدينة العتيقة للتارودانت، والخزانة إلى حد الساعة تفتقر إلى أبسط التجهيزات الحديثة من قبيل الميكروفيلم والحواسيب، وتسير من طرف قيم لم يتلق أي تكوين في علم المخطوطات والمكتبات[6].

      يبلغ عدد المخطوطات بهذه الخزانة ما يناهز 382 عنوانا؛ أي بنسبة %2 من المجموع العام، الذي يشمل أيضا المطبوعات التي يبلغ عددها 10600 عنوان؛ عدد الحديث منها هو 10000، وعدد الحجرية هو 30 عنوانا. أما عدد الدوريات فهو 50 دورية، وعدد الجرائد والصحف -أغلبها قديم- هو 40 عنوانا، وعدد البحوث جامعية فهو 100 بحث.

      كما تضم الخزانة عددا قليلا من الموسوعات وكتب باللغات الأجنبية.

      أما عن أقدم مخطوط بالخزانة فيعود تاريخ نسخه إلى القرن الخامس الهجري، وهو صحيح البخاري المستنسخ سنة 490 هـ بالخط الأندلسي وهو مبتور الأول.

      ومما يضفي على هذا الرصيد المخطوط بهذه الخزانة قيمة مضافة، اشتماله على عدد من تحبيسات وتمليكات بعض السلاطين السعديين والعلويين والعلماء السوسيين…

      ومن نماذجها هذه المخطوطات نذكر:

      •  “مشارق الأنوار على صحائح الآثار”، للقاضي عياض، المستنسخ عام 1193 هـ، والمحبس من لدن السلطان عبد الله الغالب على خزانة الجامع الكبير بتارودانت؛

      •  “شرح الخرشي على مختصر خليل”، المستنسخ عام 1198 هـ والمحبس من طرف السلطان سيدي محمد بن عبد الله على خزانة الجامع العتيق بتارودانت؛

      •  “فتح الباري من هدي الساري على شرح البخاري لابن حجر العسقلاني”، المستنسخ عام 852 هـ، والمحبس من لدن السلطان عبد الله بن محمد الشيخ سنة 976 هـ على خزانة الجامع الكبير بحضرة تارودانت من سوس الأقصى تحبيسا مؤبدا.

      ومما أثار انتباهنا ونحن نفهرس بعض الأرصدة المخطوطة بهذه الخزانة، وجود مخطوطات يبلغ عددها 86 مخطوطة بدون عنوان، و65 مخطوطة مجهولات المؤلف، لكون بداياتها غير مقروءة أو مبتورة كليا أو جزئيا.

      ب‌-  خزانة جمعية علماء سوس العامة

      تتواجد هذه الخزانة داخل المدرسة الجشتيمية قرب “المسجد الكبير بتارودانت” وحسب بعض الروايات الشفوية التي اعتمدنها فإن هذه الأخيرة تضم مخطوطات بعضها اشترته الجمعية من الأستاذ محمد المختار السوسي، وجزء كبير منها تم استقدامه من خزانة المعهد سابقا (الإمام علي السالفة الذكر) كما قام أعضاء هذه الجمعية بجمع عدد كبير من المخطوطات المتناثرة في خزانات سوس المختلفة، وعند زيارتنا لهذه الخزانة والتحدث مع القيم عليها أخبرنا أن مسألة فتح الخزانة أمام عموم الطلبة والباحثين أمر يرجع إلى المكتب المسير لجمعية علماء سوس.

——————————–

 1.  المصادر العربية لتاريخ المغرب من الإسلامي النهاية العصر الحديث، محمد المنوني، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ج1، ص: 304.

 2.  المعسول، محمد المختار السوسي، ج 3، ص 331. والمعهد الإسلامي بتارودانت و المدارس العلمية العتيقة بسوس، المتوكل عمر الساحلي، ج 2، ص 181.

 3.  حسب الرواية الشفوية التي أخبرني بها بعض أساتذتي بالمعهد ممن عاشوا حدث تأسيس هذه المؤسسة التي كانت تسمى بالمعهد الإسلامي بتارودانت.

 4.  سوس العالمة، محمد المختار السوسي، ص 174.

 5.  سنحاول التركيز على ما ألف من المصنفات المخطوطة بالجنوب المغربي (سوس والصحراء)، لأن معظم المخطوطات التي تنتمي إلى باقي الحواضر المغربية أو المشرقية مما هو موجود “بخزانة الإمام علي” يعتبر في أغلبه مطبوعا.

 6.  حسب ما صرح به لنا.

التعليقات

  1. النفيفي

    تحية عطرة وشكر وتقدير على هذه الالتفاتة الجميلة لتراث منطقتنا الغالية.
    وللتذكير فإن منطقة سوس وأهلها لهم مداخيل صعبة، ينبغي لمن أراد إدراكها أن يستعين ببعض أهل المنطقة من المشايخ والأساتذة الفضلاء ممن لهم اعتناء بهذا الجانب من التراث المهمل والمعرض للتلف، والذي سبب هذه المداخل هو تعرض كثير من أصحاب تلك الخزائن للابتزاز والغمط والاحتقار، خذ على سبيل المثال الخزانة الأزايفية، وغيرها، واسمع من شيخها حفظه الله ما يندى له جبينك.
    وفقكم الله وسدد خطاكم وأخذ بأيديكم إلى نفض غبار النسيان والإهمال عن كثير من تلك الكنوز.
    وتقبلوا فائق تقديري

أرسل تعليق