Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الأطفال ثمار الأمة وعماد ظهرها

      إذا كان التفكير فريضة، والتأمل عبادة، ففي المقابل الجمود جهل وضلال، والانقياد الأعمى خبال وفساد، لذلك فأطفالنا مطالبون أن يعلموا قبل أن نرجو منهم العمل، وأن يستدلوا قبل أن يعتقدوا، وكذلك التخطيط قبل التنفيذ، والبينة قبل الحكم؛ لأنه لا دعوى بلا برهان ولا إثبات، عملا بقول ربنا تبارك وتعالى: “قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين” [البقرة، الآية: 111]؛ ولأنه ما من أمة إلا وأطفالها هم روحها، وإلا كانت نشازا بغير رباط، أو بناء بغير أساس، وكل شخص في هذا الوجود فقد روحه أمسى جثة بلا حياة.

      والحق الذي لا مراء فيه: أننا نريد من أطفالنا أن تكون غايتهم: رضوان الله، وهمهم الآخرة؛ لأن كل ما دون الله والجنة سراب، وكل ما فوق التراب تراب، أطفال يستمدون المعرفة والقوة والأخلاق من ضياء القرآن ونور السنة؛ لأنه ما من طفل خلقه الله إلا وخلق معه الاختيار بين السمو بالذات والسقوط بها، أطفال نريدهم واعين بذواتهم وبطاقاتهم الفكرية والعملية، حتى لا ينعزلوا عن الحياة، أو يتخذوا إزاءها موقفا سلبيا، وأن يتواجدوا في صفوف أطفال العالم وقريبين منهم، وأن يهبوا حياتهم ومواهبهم وطاقاتهم، لتركيز إعادة الإيمان في نفوس الأطفال الذين جرفتهم الحضارة المادية، ويدلوهم بجدارة وصلاحية الإسلام، ليس للبقاء فقط، ولكن جدارة السبق للزمن، وجدارة قيادة أطفال الإنسانية الحائرة.

      والمشكلة الحقيقية الآن هي تأرجح أطفال المسلمين، بين عملية الهدم وعملية البناء، بين التعمير والتخريب، بين النفي والإثبات، وأمام هذه المتناقضات فعلى أطفال المسلمين أن يختاروا في مشوارهم الحياتي الطريق الأسلم والأكثر فائدة، الطريق الهادئ وهذا لا يتأتى إلا بتعميق الفهم الإسلامي، لملء الفراغ الهائل الذي يعيشه كل أطفال الدنيا، فراغ روحي، وفراغ ديني، وفراغ خلقي، وهو فراغ في اعتقادي لا يملأه إلا أطفال المسلمين وحدهم، إنقاذا لأترابهم من الهوة السحيقة التي يتردون فيها فهم الأمل الوحيد أن يكونوا مقام المنقذ القائد.

      أطفال العالم الإنساني على مفترق الطرق، وأطفال الأمة يعيشون دورا حاسما مقررا للمصير، وعليهم ألا يفلتوا الزمام فتفوت الفرصة، فالنفحة الإيمانية وحدها قادرة على انتشال غيرهم من الخواء الذي غرقوا فيه، قبل أن يعضوا على بنان الندم؛ لأن المتقاعس سيتبين له في المستقبل القريب، أنه إنما كان يحرث في أرض مجدبة يباب، وآنئذ سيسكبون الدمع على الأطلال؛ لأنهم تقوقعوا وكان حريا بهم أن يتحركوا، على طريق مليء بالأحزان والجراح، لفتح باب مسيرة جديدة وآمال جديدة وإلا ستبقى ثمة صفحات مخجلة في تاريخ أطفال الأمة لاصقة بجبينهم، والتاريخ لا يقف عند لحظة وفرصة التكفير ما زالت قائمة والساحة الإسلامية تتسع لبناء الكثير، فوق الخرائب ورغما عنها، والفرصة واسعة في هذا المجال والإسلام هو الذي خلق الإنسان العملي الذي من طبيعته القدرة على الحسم، واتخاذ القرار السليم وبالتالي فهو إنسان مؤمن بما يفعل ومصمم على التنفيذ ولا يجوز أن يكون من طبيعته التردد، ولا وقت لديه للتقاعس.

      ولتطوير وتنوير أطفالنا لابد من العناية بالعناصر المتميزة، والمحافظة على المصابيح التي تضيئ طريق الآخرين، وترعى أفكارهم عقائد وقيما وتقاليد، وحينما ينبع الخير من ضمير طفل مؤمن بما يقول ويفعل، يتجرد من كل نوازع الأنانية والطمع الشخصاني، وغرائز الشر، إذ الإسلام جعله متوائما مع الحياة الدنيا، لقيام مجتمع إنساني سليم، يوفق بين ما هو أبدي دائم، وما هو متغير زائل، ومن هنا يترجم الأمر إلى واقع الحياة ومحسوسها ويسعفه القرآن الكريم فيندرج تحت قوله تعالى: “أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى” [اَل عمران، الآية: 195].

      والأطفال في الإسلام فجر يرمز لعهد ولى بظلامه وقهره واجتراره، وبضوء يشق الأجواء مبشرا بعهد جديد، لنبت يحمل الثمرة اليانعة وبميلاد أمة تأخذ طريقها في الحياة مقترنة باليقين السماوي، في تلازم الإيمان والعمل النابض بالحياة، وما أجمل ما قاله الأحنف بن قيس للخليفة معاوية رضي الله عنه في الأطفال: [يا أمير المؤمنين هم ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، وبهم نسعى على كل جليلة؛ فإن طلبوا فأعطهم وإن غضبوا فأرضهم يمنحوك ودهم ويحبوك جهدهم]، وهكذا نرى الإسلام واهتمامه بالطفولة، وعنايته بها من أول الطريق، حتى يصير الصغير كبيرا.

      إنها ظلال الكلمة الواعية الهادفة يستظل بها أطفالنا من هجير ما يلاقونه في بيداء الحياة الهادرة حتى لا يصيروا كريشة تطايرت بين أغصان الأحزان، تارة نحو الحرمان، وتارة نحو العذاب، ولا سيما ونحن في زمن المجاملات، وموهبة الأطفال وحدها لا تكفي إذا لم تصاحبها التجربة والخبرة.

      ولقد أثبتت التجارب أن سلوك بعض الآباء الخاطئ نحو الأبناء في مرحلة الطفولة هو السبب في اضطراب شخصية الطفل، وسر نجاحه وتقدمه وسر تفوقه في حياته حين يصبح رجلا يعتمد على كل أب وأم، وكل مدرس ومعلم وكل خطيب وواعظ، وكل مرشد وناصح وكل عالم ومصلح، هذه هي الأضواء التي تزود الأطفال بالقدوة على الوصول إلى شاطئ الآمان وبر النجاة، قال تعالى: “يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمومنين” [يونس، الآية: 57].

      والأطفال عالم عجيب: إذا وجدوا اليد الحانية الرابتة، والقلوب المؤمنة العاطفة، عاشوا: مع الله وبين يديه، سعداء في الدنيا والآخرة، هادئين مطمئنين، مؤمنين أتقياء، راضين قانعين، حامدين شاكرين، مسبحين ذاكرين، يحملون في طيات قلوبهم إخبات الناسكين وزهد المتقين، وورع الصالحين الصابرين وصدق التائبين، تظللهم رعاية الله وترعاهم ومن كان هذا ديدنه لابد أن ينتصر على أمره، لأنه يعلم أن قضاياه في حاجة منه إلى همة وإرادة وقوة، وهذا لا يتحقق إلا بحرصه على تقوى الله تعالى.

      وأروع من هذا كله أن يبارك الله في صحته ويحفظه من عاديات الزمان، ومن كل ضيم وشر، ويلين قلوب البشر عليه فيحظى بحب الناس ومودتهم له؛ لأنه ناشئ يحيا في ظل نور الله الرحمن الرحيم، وهو أغلى وسام يعلق على صدر كل طفل ينشد الشرف والتشريف.

      وما أحلاها من لحظة نرى فيها الآباء فخورين بالأبناء، إنها لحظة من تلك اللحظات التي ينتظرها كل والد وما ولد وهم يستقبلون أبناءهم، وقد حملوا إليهم ثمرة الجهد والعرق، إنه الشعور الذي يملأ صدر كل أب عندما يحس أنه أكمل رسالته في الحياة، لذا علينا أن نتأمل ما قدمه الآباء الأوفياء للأجيال التي جاءت بعدهم من مثل قيمة وآثار خالدة.

      والآن أقول لأطفال المسلمين أن أمتكم اعتادت التحرك في المطلق، فعاشت قرونها الأخيرة خارج دائرة الزمن، لا تعرف لها قياسا ولا تقيم لها حسابا، وعلينا اليوم أن نستنهض الزمن الميت بتنمية متسارعة تواكب بها مسيرة القرن الواحد والعشرين، وإلا لفتنا أزمة خلقها بعض الأطفال، لم ينضجوا بعد، فهم لا يكادون يحفظون نصا أو يقرأون منشورا أو يطلعون على كتيب حتى يروا أنهم استكملوا علمهم وتعمقت عقيدتهم، واكتشفوا ما كان خافيا عليهم، وهو انحراف عن الدين وانحراف به.

      ونحن لا نستغرب أن بعض الأطفال بدأوا العمل لصنع مستقبل زاهر، فوق طريق كله أسلاك شائكة مكهربة؛ لأنهم تمسكوا بالفضيلة لذاتها وإن أحاط بها التعب الشديد، وهم نوعان: الأول كالشجرة الصغيرة الضعيفة لا تستطيع أن تحمل ثمارا ثقيلة، والثاني كالدوحة الباسقة القوية وحدها هي التي تستطيع أن تصمد في وجه الرياح العاتية، والأطفال ينتظرهم من العمل ما تنوء بحمله الجبال وهي إزالة الحواجز بين البشر، وتحقيق التعارف بين الشعوب والقبائل الذي بشر به القرآن الكريم، لتجتمع هذه الشعوب كلها من جديد على إقامة صرح إنساني حضاري واحد، يتعاونون على بنائه وإعلائه، ولن يتفاضل بعضهم على بعض إلا في مراتب الخير والفضائل.

      اللهم ثبت أبناءنا باليقين والبر والتقوى، وذكر المقام بين يديك، وارزقنا وإياهم الخشوع فيما يرضيك عنا وعنهم، اللهم أعطنا وإياهم من الدنيا ما تقينا به فتنتها، وتغنينا به عن أهلها، وتجعله لنا بلاغا إلى ما هو خير لنا منها فإنه لا حول ولا قوة إلا بك.

أرسل تعليق