Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

التخليق بالأسوة رصد لآليات التخليق بالأنموذج وإجراءاتها – مقاربة مقارنة.. (5)

ثانيا. بين مفهومي الميزان والأسوة

ومن أنواع الميزان؛ الميزان المقاصدي، يتناول المقاصد والأبعاد الكلية في كتاب الله عز وجل، ونجد الميزان القيمي، ونجد الميزان الأخلاقي، ونجد كذلكم الميزان الاجتماعي، من أخلاق، كالإيثار، وكالإحسان، وكبذل الماعون، وكعدم دَعِّ اليتيم، إلى غير ذلك من الأمور الأخلاقية، إلى درجة أن الله عز وجل يقول في محكم كتابه: “اَرَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ” [الماعون، 1] تشرئبّ الأعناق لكي تبحث عن هذا الذي يُكذِّب بالدّين، هل هو تارك الصلاة، أم تارك الزكاة، أم تارك الصيام، أم تارك الحج، فإذا به “فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ  وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ” [الماعون، 3-1].

هناك أيضا الميزان الإحساني الجمالي، وهو ميزان في غاية الأهمية، نجد معالمه في كتاب الله تعالى، هناك الميزان العقلي؛ فأولوا الألباب وأولوا النُّهى في كتاب الله عز وجل، هم الذين يَزِنُونَ بعقولهم، ونجد كذلك مفهوم “الحُكم”، وهو حسن الحُكم على الأمور، كما قال الخطيب الإسكافي في “دُرّة التنزيل وغُرّة التأويل“، وهو مفهوم لطيف جدا، أي حُسن الحُكم على الأمور، وليس هو الحكمة، ولا الحُكم في النّاس أو بينهم؛ وإنما هو حسن الحكم على الأمور.

فهذه الموازين كلها تعمل في كتاب الله عز وجل بتضافر، حين يصل الإنسان إلى الميزان، حين يكون مدعوا للحفاظ عليه، ومن مظاهر ذلك عدم الطغيان، “كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى” [العلق، 6]؛ أي يفقد توازنه “أَنْ رَءَاهُ اسْتَغْنَى” [العلق، 7-6]، فهو مدعوّ للحفاظ على التزامه وتوازنه بعدم الطغيان.

كذلك هذا الإنسان، وهذا الأمر له صلة بالميزان الاجتماعي، مدعو لأن يرى الناس باعتباره حجابا من الله لا شك، لكن هو المدخل إلى الله تعالى، فأحب الناس إلى الله أنفعهم لعياله، فمن الإحسان إلى الناس، ومن باب هذا الإحسان يُدخل على الله عز وجل لقبوله.

كذلك نجد أن الأمم في فترة الميزان والاتزان، حيث يكون التوازن بين الروح، وهذا أيضا ميزان آخر، وبين الجسد، بين العقل وبين الوحي، بين النص وبين الواقع، إلى غير ذلك من الأمور، حين نجد الأمم تصل إلى هذا الميزان؛ فإن تلك الفترة تكون أرقى فترات عيشها وحياتها؛ وإلا فإنها في تأرجح بين قطب الرَّهْبَنة، أي الخروج من العالم، وقطب التكاثر، أي الغرق العالم، والله جل وعز يقول: “وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى” [الليل، 11].

إن القدرة على المحافظة على هذا الاتزان واجتناب الطغيان، وإقامة الوزن بالقسط وعدم إخسار الميزان، لا سبيل إليها إلا من مرجع الوجهة، كما أن الحركة لا سبيل إليها إلا من الكون، مرجع الحركة، فإن هذه الأمور لا سبيل إليها إلا بالنظر في الوحي الخاتم، المُقْدِرُ على مطلق القراءة، كتاب الله جل وعز، القرآن المجيد..

يتبع في العدد المقبل..

أرسل تعليق