Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

ابن القطان – المشيخة (16)

      هذا هو الجزء السادس عشر من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه؛ ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.

أحمد بن سلمة بن أحمد  أبو العباس ابن الصيقل الأنصاري اللورقي  (تـ 598)
الجزء الثاني

      كان مما قلته في الجزء الأول من هذا المقال: “أخذ ابن الصيقل اللورقي عن جلة الأئمة في عصره، وقد امتازت طائفة منهم وفيرة العدد، بسعة الرواية، والتحقق بالدراية، ولهم مرويات جليلة تفوق الحصر، ومصنفات نبيلة سارت مسير الشمس؛ وقد ذكرتُ هذا عذرا أبديه عن العجز عن وجدان شيء من مصنفات ابن الصيقل أو مروياته منصوصا عليه بعينه، على ما جرى به الشرط في هذه المقالات.
وبالجملة، فأخذه عن أولئك الجامعين بين الرواية والدراية، ثم تصدره بعد ذلك للتحديث والإسماع بكبرى حواضر العلم: مراكش وتلمسان، يدل بالقطع واليقين، على اتساعه هو أيضا في الرواية، وتحمله لكتب جليلة. فأما شيوخه: فقد ذكر جملة منهم ابن عبد الملك، وجمع القول في أعيانهم ابن الأبار فقال: “روى –يعني: الإمام ابن الصيقل- عن ابن الدباغ، وابن بشكوال، وأبي بكر بن خير، وأبي إسحاق بن قرقول، وابن الجد، وابن الفخار، والسهيلي، وابن حبيش، وابن عبيد الله، وأبي بكر بن أزهر الشريشي وغيرهم”[1].

      وكان من قصدي أن أنقل عن الإمام الذهبي -وهو من كبار النقاد- كلمة عن كل واحد من هؤلاء الأئمة، معربة عن سعة روايته، أو قوة درايته؛ نازلا في النقل بواسطته وإن وجد المنقول منه تحت يدي، وذلك لإمامة الذهبي، واتباعُه رشاد، متَّبعا في ترتيب ذكرهم ترتيبَ العلامة ابن الأبار، لأدلف من مجموع ذلك إلى ما قطعتُ به من سعة رواية ابن الصيقل

      إجمالا، وإن لم يتيسر لي فيما تحت يدي الآن من مراجع الوقوف على ذلك تفصيلا، لكن لما ضاق عن ذلك الحيز المخصص لذلك المقال، فجعلت هذه الأنقال من نصيب هذا المقال؛

      فأما ابن الدباغ: فهو يوسف بن عبد العزيز بن يوسف بن عمر بن فيرُّه أبو الوليد اللخمي الأندلسي الأُندي (تـ 546) وقال في تذكرة الحفاظ: “محدث مرسية، لا بل محدث الأندلس، استوعب أخباره ابن الزبير فقال: هو أحد الأئمة المهرة المتقنين في صناعة الحديث وجهابذة النقاد”[2]. وقال أيضا: “وله جزء لطيف في أسماء الحفاظ،.. رأيت برنامجه وفيه كتب كبار كثيرة من مروياته.. وسمع من ابن سكرة الصحيحين وسنن الدارقطني والموطأ وسنن أبي داود والعلل للدارقطني ومائة جزء من مسند يعقوب السدوسي ومسند البزار في تسعين جزءًا وجامع الترمذي وغير ذلك، الجميع سمعه من أبي علي حتى إنه سمع منه كتاب الغريبين للهروي والسنن للباجي ومعجم ابن قانع ومعظم تاريخ ابن أبي خيثمة، وسمع النسائي من ابن عتاب ومسند أبي بكر بن أبي شيبة سمعه من يونس بن مغيث”[3].

      وقد أعاد التنويه ببرنامجه والجزء الذي صنفه في طبقات الحفاظ في السير[4]، وتاريخ الإسلام[5].

      وأما ابن بشكوال: فهو خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى الأنصاري، الأندلسي القرطبي (578تـ)

      أطنب الذهبي في الثناء عليه فقال: “الإمام العالم الحافظ، الناقد المجود، محدث الأندلس”[6].

      واعتنى في كتبه[7]، بسرد مصنفاته، وفي بعضها زيادة على ما في بعض، قال في السير: “صاحب تاريخ الأندلس.. وقد صنف معجما لنفسه. قال أبو عبد الله الآبار: كان متسع الرواية، شديد العناية بها، عارفا بوجوهها، حجة، مقدما على أهل وقته، حافظا، حافلا، أخباريا، تاريخيا، ذاكرا لأخبار الأندلس. سمع العالي والنازل، وأسند عن مشايخه أزيد من أربع مئة كتاب، من بين كبير وصغير.. وألف خمسين تأليفا في أنواع العلم.. ومن تصانيفه كتاب (صلة تاريخ أبي الوليد ابن الفرضي) في مجلدتين، وكتاب (غوامض الأسماء المبهمة) في مجلد ينبئ عن إمامته، وكتاب (معرفة العلماء الأفاضل) مجلدان، (طرق حديث المغفر) ثلاثة أجزاء، كتاب (الحكايات المستغربة) مجلد، كتاب (القربة إلى الله بالصلاة على نبيه)، كتاب (المستغيثين بالله)، كتاب (ذكر من روى الموطأ عن مالك) جزآن، كتاب (أخبار الأعمش) ثلاثة أجزاء، (ترجمة النسائي) جزء، (ترجمة المحاسبي) جزء، (ترجمة إسماعيل القاضي) جزء، (أخبار ابن وهب) جزء، (أخبار أبي المطرف القنازعي) جزء، (قضاة قرطبة) مجلد، (المسلسلات) جزء، (طرق حديث من كذب علي) جزء، (أخبار ابن المبارك) جزآن، (أخبار ابن عيينة) جزء ضخم”[8].

      وأما أبو بكر بن خير:  فهو محمد بن خير بن عمر بن خليفة الإشبيلي (تـ 575).

      قال الذهبي في السير: “المقرئ الأستاذ الحافظ”[9]، ووصفه في تذكرة الحفاظ فقال: “الإمام الحافظ شيخ القراء”[10]، وقال في العبر: “المقرئ الحافظ.. وبرع أيضًا في الحديث واشتهر بالإتقان وسعة المعرفة بالعربية”[11].

      ومن أراد الوقوف على سعة دائرته وكثرة مروياته فليطالع الفهرسة وهي مطبوعة.

      وأما أبو إسحاق بن قرقول: فهو إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله الوهراني (تـ 569).

      قال الذهبي: “الإمام العلامة.. وحمل عن أبي إسحاق الخفاجي “ديوانه”.. وكان من أوعية العلم، له كتاب “المطالع على الصحيح” غزير الفوائد..”[12].

      أما ابن الجد: فهو محمد بن عبد الله بن يحيى بن فرج بن الجد أبو بكر الفهري اللبلي الإشبيلي (تـ 586) حلاه الذهبي بألقاب علمية عظيمة فقال: “الشيخ الإمام، العلامة، الحافظ، الفقيه، الخطيب”[13]. ثم قال: “بحث (سيبويه) على أبي الحسن ابن الأخضر، وأخذ عنه كتب اللغة. وسمع (صحيح) مسلم من أبي القاسم الهوزني.. قال أبو الربيع بن سالم: ومن أعيان شيوخي الإمام الحافظ الصدر الكبير أبو بكر بن الجد، فقيه الأندلس، وحافظها، وزعيمها غير منازع، ولا مدافع، انتهت إليه رئاسة الفقه أزيد من ستين سنة مع الجلالة التي تجاوز مداها، والخلال التي التزم أهداها، وكان في غزارة الحفظ، ومتانة مادة العلم عبرة من العبر، وآية من الآيات، سمعت عليه (جامع الترمذي)، وأشياء، رحمه الله”[14].

      أما ابن الفخار: فهو محمد بن إبراهيم بن خلف أبو عبد الله المالقي الأندلسي (تـ 590)،

      قال فيه الذهبي في السير: “الشيخ الإمام، الحافظ البارع، المجود”[15]، ثم نقل عن ابن الأبار قوله : سمعت أبا سليمان بن حوط الله يذكر عن ابن الفخار أنه حفظ في شبيبته (سنن أبي داود)، فأما في مدة لقائي إياه، فكان يذكر (صحيح مسلم)[16].

      وأما السهيلي: فهو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أصبغ بْن الْحُسَيْن الأندلسي المالقي (581). حلاه الذهبي في تاريخ الإسلام فقال: “النحوي الحافظ العلم صاحب التصانيف”[17] ثم قال “ناظرَ على أبي الحسين ابن الطَّراوة في “كتاب سيبويه” وسمع منه كثيرًا من كتب اللغة والآداب.. وبعُدَ صِيتُه، وجلَّ قَدْره. جمع بَيْنَ الرواية والدّراية، وحمل النّاس عَنْهُ؛ وصنَّف “الروض الأنُف” فِي شرح “السيرة” لابن إِسْحَاق، دل عَلَى تبحُّره وبراعته. وَقَدْ ذكَرَ فِي آخره أَنَّهُ استخرجه من نيفٍ وعشرين ومائة ديوان.. وله كتاب “التَّعريف والإعلام بما أُبهِمَ فِي القرآن منَ الأسماء الأعلام”، وكتاب “شرح آية الوصية”، و “شرح الجُمل” ولم يُتمّه.. ثُمَّ وجدتُ عَلَى كتاب “الفرائض” للسُّهيلي”[18].

      وأما ابن حبيش: فهو عبد الرحمان بن محمد بن عبيد الله بن يوسف أبو القاسم الأنصاري الأندلسي المريي (تـ 584).

      قال في السير: “القاضي الإمام، العالم الحافظ، الثبت.. لم يكن أحد يجاريه في معرفة الرجال، وله خطب حسان، وتصانيف، وسعة علم كثير جدا.. وله كتاب (المغازي) في خمس مجلدات، حمله عنه الناس.. فقال أبو الربيع الكلاعي في (شيوخه): القاضي العلامة ابن حبيش آخر أئمة المحدثين بالمغرب، والمسلم له في حفظ أغربة الحديث ولسان العرب مع متانة الدين”[19].

      ونقل عن ابن الأبار قوله: “وسمعت أبا سليمان بن حوط اللَّه يقول: سمعته يقول إنه مرّ عليه وقتٌ يذكر فيه تاريخ أحمد بن أبي خيثمة أو أكثره”[20].

      وأما ابن عبيد الله: فهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبيد الله أبو محمد الرعيني الأندلسي المريي (تـ 591).

      قال في السير: “الشيخ الإمام، العلامة المعمر، المقرئ المجود، المحدث الحافظ، الحجة، شيخ الإسلام”[21].

      قال أيضا: “وسمع صحيح مسلم من أبي عبد الله بن زغيبة، وسمع من أبي القاسم بن ورد، وأبي الحسن بن موهب، ولقي أبا الحسن بن مغيث لقيه بقرطبة، وأبا القاسم بن بقي، وأبا عبد الله بن مكي، وأبا جعفر البطروجي سمع منه سنن النسائي عاليا، وأبا بكر ابن العربي، وأبا الحسن شريحا، وتلا عليه بالسبع، وقرأ عليه صحيح البخاري سنة أربع وثلاثين، وعني بالحديث، وتقدم فيه.

      ووصفه الذهبي في تاريخه فقال: “الفقيه، الحافظ الثَّبت.. أحد أئمّة الأندلس”[22].

      أما أبو بكر بن أزهر الشريشي: فهو يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن بن يحيى بن أزهر أبو زكرياء الحجري (تـ 584) له معرفة بالقرآن والعربية حمل عنه الناس وأجاز لأبي عليّ الشلُوبين، إمام النحو بالأندلس. له ترجمة مقتصبة في تكملة ابن الأبار[23]، وتاريخ الإسلام للذهبي[24] ومادته من عند الأول.

      فهذه كما ترى مشيخة جليلة، منهم: المتسع في الرواية جدا، كابن بشكوال الذي أسند عن مشايخه أزيد من أربع مئة كتاب، من بين كبير وصغير؛ وكابن خير الإشبيلي، الراوية الضابط، الذي تحتوي فهرسة ما رواه عن شيوخه من دواوين العلم نحو ما رواه ابن بشكوال أو أكثر؛ ومنهم من كان عالي الإسناد كابن الجد الذي قال فيه الذهبي: “لم يكن الحديث من شأنه، معه أنَّ إسناده فيه عالٍ”[25]؛ وعامة المذكرين من أكابر الحفاظ، فقد ذكر منهم الذهبي سبعة في تذكرة الحفاظ، وشرطه في الذين يوردهم في هذا الكتاب معروف، وهؤلاء المذكورون هم: ابن الدباغ، ابن بشكوال، السهيلي، ابن حبيش، ابن الفخار، ابن خير، ابن عبيد الله[26].

      وبناء على ما سبق فإن الأخذ عن هؤلاء الجلة  يقتضي علو سند، وكثرة مروي، وجودة محمول، ولعل الله تعالى يمن في قابل الزمن بالوقوف على شيء منصوص عليه من مرويات ابن الصيقل أو مصنفاته.

يُتبع..

———————————————–

  1.  التكملة لكتاب الصلة، 1/81.

  2.  تذكرة الحفاظ، 4/1310.

  3.  تذكرة الحفاظ، 4/1311.

  4.  أعلام النبلاء، 220-221.

  5.  تاريخ الإسلام، 11-901.

  6.  سير أعلام النبلاء، 12/139-143.

  7.  ينظر مثلا: سير أعلام النبلاء، 12/139-143، تذكرة الحفاظ، 4/1340، تاريخ الإسلام، 12/612-613.

  8.  سير أعلام النبلاء، 12/139-143.

  9.  تاريخ الإسلام، 12/559.

  10.  تذكرة الحفاظ، 1366-1367.

  11.  العبر في خبر من غبر، 3/69.

  12.  سير أعلام النبلاء، 20/520-521.

  13.  سير أعلام النبلاء، 21/177-179.

  14.  سير أعلام النبلاء، 21/177-179.

  15.  سير أعلام النبلاء، 21/241-243.

  16.  سير أعلام النبلاء، 21/241-243.

  17.  تاريخ الإسلام، 12/731-432.

  18.  تاريخ الإسلام، 12/731-432.

  19.  سير أعلام النبلاء، 21/118-121.

  20.  تاريخ الإسلام، 12/782.

  21.  سير أعلام النبلاء، 21/251-255.

  22.  تاريخ الإسلام، 12/960.

  23.  التكملة لابن الأبار، 4/181-182.

  24.  تاريخ الإسلام، 12/793.

  25.  تاريخ الإسلام، 12/822.

  26.  تذكرة الحفاظ، 4/1310 -1339-1348-1353-1355-1366-1370.

أرسل تعليق