Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

طرق تمويل الاستهلاك الاختيارية.. (6)

الوصية وأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية

تشكل الوصية ضمن سلسلة الإحسان الاختياري موردا تمويليا ذا أهداف اجتماعية واقتصادية. ويتجلى البعد الاقتصادي للوصية في كونها تحقق مستوى الكفاية لأهل الحاجة سواء كان الموصى به عقارا أو غيره.

فإذا كان الموصى به عقارا كدار للسكنى فمعنى ذلك أن الموصي ساهم في تمويل استهلاك السكن، وقد يكون الموصى به منفعة، أو حصة في شركة إنتاج، وهذا يعني زيادة في دخل الموصى له.

ولا شك أن هذه الزيادة في ثروة الموصى له تنشأ عنها زيادة في الطلب على السلع والخدمات التي كان يحتاجها، وبذلك تساهم الوصية في تحريك دواليب التنمية الاقتصادية.

أما البعد الاجتماعي للوصية فيتجلى في تحقيق التوازن الاجتماعي، ومحاربة مظاهر الفقر والحاجة، ورعاية ذوي الحاجات من اليتامى والمساكين والزمني والمقعدين وغيرهم.

والجدير بالذكر أن الوصية لها بعد أخلاقي كبير يتجلى في بناء المساجد والمعاهد ودور القرآن، وهذه الوسائل تساهم في التنمية الأخلاقية للفرد، وتجعله يتشبع بالتربية الإسلامية، وفي هذا استثمار للرأسمال البشري؛ لأن الرعاية الدينية والأخلاقية تثمر سلوكا رشيدا يعكس القيم الدينية في مجال المعاملات، فترى الفرد يحس بمسؤوليته ويشعر بآلام الآخرين وحاجاتهم، وهذا يدفعه إلى أن  يبذل جهده لمساعدتهم.

إن الوصية بكل أبعادها المادية والروحية، والفردية والجماعية تساهم في تمويل استهلاك فئة كبيرة من أفراد المجتمع، وإشباع حاجاتهم، وتخفيف العبء على الموارد المنتظمة للدولة.

دور مؤسسة الوقف  في تمويل الاستهلاك

تعتبر مؤسسة الوقف في الإسلام من أعظم المؤسسات التي عكست مفهوم الإحسان في أعلى درجاته، هذا الإحسان الذي تجاوز الإنسان والزمان والمكان، وبقيت آثاره شاهدة عليه.

وقد انعكست آثار مؤسسة الوقف على الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات الإسلامية، والوقف في بعده الديني قربة إلى الله تعالى يرجى خيرها في حياة الإنسان وبعد موته[1]، فهو تجارة، يرجو ثوابها الواقف “إذا مات الإنسان انقطع عن عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له[2].

وقد جسد الصحابة رضوان الله عليهم هذا السلوك في حياتهم العملية، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “أصاب عمر بخيبر أرضا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصبت أرضا لم أصب مالا  قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث، في الفقراء، والقربى، والرقاب، وفي سبيل الله والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقا غير متمول فيه[3].

فعمر رضي الله عنه حدد الجهة التي ينبغي أن يصرف إليها، وذلك لمعرفته بحاجة هؤلاء، كما اشترى عثمان بن عفان رضي الله عنه بئر رومة[4]، وحفرها ووقفها لصالح المسلمين.

يتبع في العدد المقبل..

———————————————-

1. المختصر النفيس في أحكام الوقف والتحبيس، أبو عبد الرحمان محمد عطية، ص: 14 دار ابن حزم.

2. رواه أبو داود في كتاب الوصايا، باب ما جاء في الصدقة عن الميت، سنن أبي داود، ج: 3 ص: 117.

3. رواه البخاري في كتاب الوصايا، باب الوقف كيف يكتب، البخاري بحاشية السندي، ج: 2، ص: 132. وأبو داود في كتاب الوصايا، باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف، سنن أبي داود، ج: 3، ص: 116.

4. انظر الحديث في البخاري، باب مناقب عثمان بن عفان، البخاري بحاشية السندي، ج: 2، ص: 296.

أرسل تعليق