Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

دور الدولة في تنظيم الاستهلاك في الفقه الإسلامي.. (3)

  ج. دور مؤسسـة الحسبـة في مراقبـة الكميـة المعروضـة من السلـع داخـل السـوق وعلاقـة ذلك بالعرض والطلـب

إن دور المحتسب لا ينحصر في مراقبة المكاييل والموازين وجودة السلعة، وضمان عدم الغش، بل يشمل أيضا مراقبة كميات السلع المعروضة داخل السوق، هل حجمها الموجود في السوق نتيجة طبيعية لتفاعل قوى العرض والطلب؟ أم أن هذا الحجم هو سبب توجه إرادة معينة داخل السوق هدفها الربح دون الالتفات إلى الإضرار بالناس؟ وهذا التحكم في الكمية المعروضة من السلع، وفي أسعارها هو الذي يسميه الفقه الإسلامي الاحتكار. ولا أريد هنا أن أجتر الخلاف الفقهي[1] في هذا الباب، ولكن الذي أريد أن أؤكد عليه هو الأثر الاجتماعي لهذا السلوك، “لأن العلة من تحريم الاحتكار هو إلحاق الضرر بالناس، لتحصيل أكبر قدر من الربح[2]. ولذلك قال عمر بن الخطاب: “لا حكرة في سوقنا[3].

فدور المحتسب هو الكشف عن الأسباب الحقيقية لاختفاء كميات السلع من السوق، ثم ظهورها فجأة، أو تجمعها لدى تاجر معين، حتى يعيد التوازن إلى حركة السوق، وحتى يحمي المستهلك من الأضرار التي تنتج عن هذا السلوك.

ومما ينبغي أن يراقبه المحتسب داخل السوق مستوى الأسعار، هل هو نتيجة طبيعية لظروف السوق وأحوال السلع مثل تكاليف الإنتاج وكميتها ونوعيتها، والطلب النقدي من المستهلكين؟ أم هو ناتج عن تدخل إرادي من البائعين، الذين يريدون الإضرار بالمصالح الجماعية للمجتمع؟

وإذا كان الأصل بالنسبة للتعامل في اقتصاد السوق الإسلامي عدم التسعير، إلا أن الدولة لها الحق أن تتدخل في تحديد الأسعار مراعاة للمصلحة العامة، وذلك حتى تحافظ على القدرة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود، يقول ابن القيم: “وعلى صاحب السوق الموكل بمصلحته أن يعرف ما يشترون به، فيجعل لهم من الربح ما يشبه وينهاهم أن يزيدوا على ذلك، ويتفقد السوق أبدا، فيمنعهم من الزيادة على الربح الذي جعل لهم، فمن خالف أمره عاقبه وأخرجه من السوق[4].

ومن القضايا التي ينبغي أن يراقبها المحتسب التكتلات الاقتصادية التي ينشئها بعض التجار حتى يتحكموا في الأسعار، فهذا من الظلم الذي ينبغي أن ينهاهم عنه وفي ذلك يقول صاحب نهاية الرتبة “والمصلحة أن لا يشارك بعضهم بعضا (القصابون) لئلا يتفقوا على سعر واحد[5]. فالتسعير فيه رعاية لحق التاجر والمستهلك، فالمستهلك لا يتضرر بارتفاع الثمن، والتاجر لا يتضرر بإنزال مستوى الأسعار عن القيمة الحقيقية للسلع، ولذلك نهى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حاطب بن أبي بلتعة عن البيع بأقل من ثمن المثل، فقد روى مالك عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبا له بالسوق فقال عمر بن الخطاب: “إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا[6].

فالسعر العادل هو الذي لا يضر بالمنتج والمستهلك، ويحقق المصلحة الجماعية للمجتمع.

وهكذا يتبين أن دور المحتسب يعتبر دورا أساسيا ومهما داخل بنية السوق، إذ عن طريقه تستطيع الدولة أن تضبط حركة السوق في المسار الصحيح.

يتبع في العدد المقبل..

————————————-

1. اختلف الفقهاء في تعريف الاحتكار، كما اختلفوا في تعيين مادة الاحتكار، هل هي قوت الآدمي فقط أم تشمل سائر السلع التي يلحق الناس بحبسها ضرر، وسبب الخلاف هو اختلاف الفهم للأحاديث الواردة في هذا الباب، والذي نختاره هو أن الاحتكار يكون في كل شيء من الأقوات وغيرها من السلع

2. الاتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي الإسلامي : محمد فاروق النبهان، ص: 379.

3. أخرجه مالك في الموطأ في كتاب البيوع: باب الحكرة والتربص، تنوير الحوالك، ج: 2، ص: 148.

4. الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم، ص: 200.

5. نهاية الرتبة للشيزري، ص: 28.

6. أخرجه مالك في الموطأ في كتاب البيوع، باب الحكرة والتربص، تنوير الحوالك، ج:  2 ص: 148.

أرسل تعليق