Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

دور الدولة في تنظيم الاستهلاك في الفقه الإسلامي.. (2)

تقتضي الحسبة في الفقه الإسلامي السهر على مراقبة صحة التعامل داخل السوق حتى تصل السلع إلى المستهلك بالمواصفات المطلوبة.

1. مراقبة الطلب داخل السوق

وهذه الوظيفة تعتبر من أهم الوظائف التي تقوم بها مؤسسة الحسبة، ذلك أن جهاز الحسبة لا ينحصر دوره في البعد التقني، حيث يتأكد من توفر السلع على المواصفات المطلوبة فقط، بل يمتد هذا الدور ليشمل عملية الطلب داخل السوق، ليحدد المنحنى الذي تتجه نحوه، هل هو منحنى إيجابي أم سلبي؟ ثم لتتخذ التدابير الوقائية من أجل تصحيح مسار السوق والطلب داخل البنية الاجتماعية للمجتمع الإسلامي[1].

فمؤسسة الحسبة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية تعتبر بمثابة المجهر الذي تطل من خلاله الدولة على جهاز السوق، وهذا الدور يجعلها أداة لتنمية المجتمع، وتحريك الطلب على السلع والخدمات، بما ينسجم مع قيمنا الإسلامية ومرجعيتنا الدينية.

وانطلاقا من هذا المنظور يمكن القول: إن مؤسسة الحسبة تلعب دورا في تحريك الطلب وإيقاف جموحه بما يتماشى مع المصالح الجماعية للمجتمع، وهذا ما سنراه في النماذج التالية:

أ. دور مؤسسة الحسبة في تأمين الطلب على السلع والخدمات

إن الدور الاجتماعي والاقتصادي الذي تمارسه مؤسسة الحسبة يجعل مسؤولياتها كبرى في توفير الأمن الغذائي للبنية الاجتماعية التي تسيرها، وهذا يقتضي معرفة المحتسب لنسبة استهلاك الفرد والمجتمع حتى يستطيع القيام بالوسائل اللازمة من أجل التنسيق مع أجهزة السوق بما يلبي حاجات الناس من الاستهلاك، وفي هذا السياق يقــول الشيزري: “والمصلحة أن يجعل (أي المحتسب) على كل حانوت وظيفة يخبزونها كل يوم، لئلا يختل البلد عن قلة الخبز، ويلزمهم ذلك إن امتنعوا منه[2].

فإقامة التوازن على مستوى الطلب من وظائف المحتسب، والنموذج الذي سقناه يتماشى مع طبيعة البيئة في ذلك الزمان والتي تتميز  بالبساطة، ولكن الذي نسعى إليه هو فقه روح النص ومحاربة مسألة الاختلال لما لها من آثار وانعكاسات اقتصادية، كسيادة تجارة التهريب، والسوق السوداء لنقص هذه السلع، لأن النفوس إذ لم تشغلها بالحلال اشتغلت بالحرام، ولذلك اتخذ عمر بن الخطاب دارا لتكون مستودعا للأغذية، وجعل فيها الدقيق والسويق والتمر والزبيب، وسائر ما يحتاج الناس من الأطعمة، وذلك لمساعدة المحتاجين، ومن ينزلون ضيوفا عليه[3].

ب. دور مؤسسة الحسبة في تنظيم الاستهلاك

إن دور الرقابة الذي تمارسه مؤسسة الحسبة يجعلها أكثر قدرة على رصد التحول الذي يعرفه الاستهلاك داخل المجتمع سلبا أو إيجابا، ذلك أن السلوك الاستهلاكي الذي يسلكه الأفراد، قد تعبر عنه بيانات السوق بالأرقام، وهذه المعطيات تجعل الدولة من خلال المحتسب تعيد هيكلة آليات السوق، بما يتفق والمصالح الجماعية للأمة، ولذلك فالمحتسب له الحق في تنظيم مجال الاستهلاك، واتخاذ الإجراءات الشرعية من أجل توجيه الطلب على السلع في الحدود المعقولة التي لا تتعارض مع المصالح الجماعية للأمة، وفي هذا الإطار نجد عمر بن الخطاب يتخذ بعض الإجراءات لتنظيم الاستهلاك في عهده، من ذلك أنه منع الناس -في وقت ما من خلافته- من أكل اللحم يومين متتالين في الأسبوع، حيث كان اللحم قليلا لا يكفي جميع الناس بالمدينة، فرأى علاجا لذلك أن يمنع الذبح.

وكان يأتي مجزرة الزبير بين العوام بالبقيع -ولم يكن بالمدينة سواها-؛ فإن رأى من خرج عن هذا المنع ضربه بالدرة وقال له: “هلا طويت بطنك يومين[4].

وتصرف عمر -وقد كان يباشر الحسبة بنفسه- يدل على أن للدولة أن تتدخل لتنظيم الاستهلاك العام، لأنه عامل من عوامل بناء اقتصاد الأمة، إذ يساهم في توفير جانبا من طاقة المصانع الملتزمة بالاستهلاك، لتتجه بكل طاقاتها إلى تحقيق مصالح الأمة[5].

يتبع في العدد المقبل

——————————————–

1. نشير إلى أن هذه القضية لم يعرها المؤلفون عناية خاصة مع أنها تعتبر من أهم وظائف المحتسب خصوصا في العصر الحديث، وهذا يتطلب منا إعادة صياغة رؤية جديدة لوظائف المحتسب في ظل التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة، وهذه الرؤية ينبغي أن تنطلق من ثوابت الشرع مع استيعاب متغيرات العصر.

2. نهاية الحسبة للشيزري، ص: 23.

3. الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 3، ص: 214.

4. الملكية وتحديدها في الإسلام، الشيخ علي الخفيف، ص: 110.

5. الثروة في ظل الإسلام: البهي الخولي، ص: 160.

أرسل تعليق