Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

لا يكن تأخر أمد الإعطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك..

من الحَكم العطَائية نسبة إلى العالم الفقيه والصوفي الجليل سيدي أحمد بن عطاء الله السكندري (1260-1309هـ). كتب الله عز وجل لها القبول عند عامة الناس وخاصتهم، وهي جواهر فريدة في أصول الأخلاق والسلوك ودرر تليدة في قواعد السير إلى ملك الملوك، لها من الشروح ما يند عن الحصر والعد، مغربا ومشرقا، وترجمت إلى عدة لغات.

هذه الحكمة المباركة فتح في فهم قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان) [سورة البقرة/ الآية: 186]، فظاهر الآية الكريمة فيه ضمان الاستجابة للداعي من لدن الباري جل وعلا.. وقد استحضر ابن عطاء الله رحمه الله في قوله أحد أهم شروط استجابة الدعاء، وهو الإلحاح بناء على القول المأثور: “إن الله يحب العبد الملحاح” وهو استحضار أرفقه الإمام رحمه الله باحتراز جميل حين قال “لا يكن تأخر أمد الإعطاء”، وهو احتراز ناجم عن تمثل للحديث الموقوف عن زيد بن أسلم رضي الله عنه: “ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث: إما أن يستجاب له، وإما أن يدخر له، وإما أن يُكَفّر عنه” [رواه الإمام مالك في الموطأ]، وهو حديث شريف يدل دلالة واضحة على أن تأخر أمد الإعطاء ليس علامة على عدم الاستجابة.. كما يدل الحديث على أن هذا التأخر ليس أبدا، ولهذه الاعتبارات كلها موجبا لليأس..
غير أن الإمام بن عطاء الله أخذاً من مشكاة القرآن المجيد والحديث النبوي الشريف، يزيد هذه المعاني إسفاراً وإشراقاً حين يُجلّي أمرين بالغي الأهمية:
–    أولهما: أن ضمان الاستجابة ذو اندراج في إرادة الله اليسر بعباده (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) [سورة البقرة/ الآية: 185]،  وهو سبحانه أعلم بما يصلح العبد من العبد نفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لله أحرص على أحدكم من أم على ولدها” [أخرجه الشيخان]، ولا يختار سبحانه للعباد إلا ما يصلحهم، والخير دائما فيما يختاره عز وجل، فالعباد لنسبيتهم ومحدوديتهم، قد يختارون ما يضرهم ولا ينفعهم ويَدْعون بذلك، تاركين ما ينفعهم، قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) [سورة البقرة/الآية: 216]. كما أن الله جلّ وعلا، هو من أحاط بكل شيء علما، فاختياره لعبده يكون نفعا محققا محضا محمود العواقب بإطلاق، وقد ضمن تعالى الاستجابة حين يدعى بذلك، وهو قول ابن عطاء الله رحمه الله: “فهو ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك” بيد أن اختيار العبد قد يكون فيه له دون إدراك منه، ضرر كبير، مما يجعل عدم استجابته سبحانه له في دعائه به رحمة جلّى.
–    الأمر الثاني: أن ضمان الاستجابة في الأمور التي يختارها الله لعبده بحسب ما مر بيانه، يكون في الإبّان الذي هو الأوفق والأصلح للعبد في ذاته وفي محيطه. فلا قبل الإبان تكون الاستجابة، ولا بعده، ولأن الإنسان خلق من عجل (خلق الإنسان من عجل، سأوريكم آياتي فلا تستعجلون) [سورة الأنبياء/ الآية: 37]. فقد يدعو بالشر دعاءه بالخير، وقد يستعجل الخيرَ إن وفّق للدعاء به قبل إبانه، مما ينقلب إلى شر. قال تعالى: (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير، وكان الإنسان عجولا) [سورة الإسراء/ الآية: 11]، ومن ثم فإن الرحمن الرحيم اللطيف الودود سبحانه، قد ضمن الاستجابة للعبد الملحاح في الزمن الذي تكون له فيه هذه الاستجابة أنفع، وله تعالى الحمد على ذلك والثناء الحسن. وهو قول ابن عطاء الله رحمه الله “وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد” والله تعالى لا يريد إلا خيرا.
ولكل ما سلف، فإن من تمام الأدب في الدعاء بأمر مخصوص، شفعه بصلاة الاستخارة والتي في دعائها المأثور هذه المعاني كلها: “اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كان هذا الأمر (كذا وكذا) خيراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضّني به”، [أخرجه البخاري الحديث رقم 6019]. كما أن من تمام الأدب التسليم لاختيار الله تعالى سبحانه استجابة وإبّانا. قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يزال العبد يستجاب له ما لم يقل دعوت فلم يستجب لي” [أخرجه البخاري في صحيحه].

والله الهادي إلى سواء السبيل.

الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء

التعليقات

  1. نوال الزاكي

    -تتمة-
    فتقصير المسلم في طاعته وعبادته ينبغي أن يُشعره بأنه ليس أهلاً لإجابة دعائه، ولعل ذلك أن يدفعه لأن يعمل بطاعة الله أكثر، ويزداد تقرباً إليه عز وجل، فإذا اعتقد الداعي أنه جاء بما يحب الله ويرضى عنه، وأنه أهلٌ للإجابة ولَّد ذلك عنده سوء ظنٍّ بربه تعالى! وولَّد عنده شعور بالإحباط، واليأس، حتى إنه ليود التخلص من الحياة بالانتحار.
    وهذا بخلاف من علم تقصيره في جانب ربه تعالى، فإن مثل هذا يتولد عنده سوء ظنٍّ بنفسه لا بربه عز وجل، ويدفعه ذلك للابتعاد عن المنهيات، والإتيان بالواجبات، ويأخذ بالورع، ويترك التوسع بالمباحات التي قد تلهيه عن طاعة ربه تعالى.
    عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:" بالورع عما حرَّم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح"، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال:" يكفي مع البِرِّ من الدعاء، مثل ما يكفي الطعام من الملح"، وقال محمد بن واسع :" يكفي من الدعاء مع الورع اليسير " …
    وقال بعض السلف :"لا تستبطئ الإجابة وقد سددتَ طرقها بالمعاصي"، وأخذ بعض الشعراء هذا المعنى فقال :

    نحن ندعو الإله في كل كرب *** ثم ننساه عند كشف الكروب
    كيف نرجو إجابة لدعاء *** قد سددنا طريقها بالذنوب

    وقال القرطبي – رحمه الله-: وقيل لإبراهيم بن أدهم: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال: لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس. تفسير القرطبي ( 2 / 312 ) .
    وإذا تدبرت كل ماسبق تشاغلت بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك؛ من رفع خلل، أو اعتذار من زلل، أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب.

  2. نوال الزاكي

    بسم الله الرحمان الرحيم
    اشكر السيد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء على هذا التفسير القيم للحكمة العطائية الثانية والتي اقتضت بالشرح التام و الكافي والوافي لكي تنفتح النفس وتغسل من ذنوب كانت قد اقترفتها بجهلها لتلك المسألة التي أظنها أنها خطيرة على قلب المؤمن.
    قد يخطئ كثير من الناس في مسألة الدعاء من وجوه كثيرة ،
    وفي ذلك التفصيل بيان مانع من موانع الاستجابة عندهم، وهو تعجل الإجابة، والاستحسار بعده .
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ) رواه مسلم ( 2735).
    و ظنهم أن الاستجابة نوع واحد وهي تحقيق المطلوب في الدعاء من مال أو ولد أو وظيفة، أو غير ذلك، وهو خطأ؛ إذ الاستجابة ثلاثة أنواع، فهي إما أن تكون بتحقيق المطلوب في الدعاء، أو أن يصرف عنه من السوء والشر بقدر دعائه، أو يدَّخر ذلك له أجراً وثواباً يوم القيامة .
    عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟ قَالَ: اللَّهُ أَكْثَر). رواه أحمد ( 10749 ).
    -يتبع-

  3. علية الأندلسي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    لله درك يا أستاذنا على هذه النفحات الرائعة والنورانيات المباركة التي تتحفنا بها وتنور بها طريقنا في هذا الزمن المادي الفتان، نسأل الله أن ينفعنا بها في الدنيا والآخرة ويجعلها في ميزان حسناتكم، فشرحكم الدقيق لهذه الحكم العطائية الجميلة بأسلوب سلس ومشوق يجعلنا نتلهف على صدور العدد الجديد لهذه الجريدة الغراء الرمز التي عايشت أجيالا وواكبت أحداثا، وكانت مرآة مشرفة لعلماء المغرب منذ أن تم تأسيسها من لدن العالم الجليل سيدي عبد الله كنون الحسني الطنجي رحمة الله عليه، فبارك الله فيكم فضيلة العلامة الأريب وجزاكم أفضل الجزاء.. ونرجو الله تعالى أن ييسر الظروف والإمكانيات من أجل أن تطل علينا هذه الجريدة الرمز أسبوعيا في المستقبل..والله المستعان ومن وراء القصد..

أرسل تعليق