Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

مدخل لدراسة المذهب المالكي.. (17)

عرضنا في المقال السابق الأدلة على حجية القياس من خلال القرآن الكريم، وفي هذا المقال سنخصصه للحديث عن حجية القياس من خلال السنة النبوية الشريفة.

فأول هذه الأدلة قول النبي صلى الله عليه وسلم للخثعمية: “أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه أكان ينفعه؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى”.

ووجه الدلالة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرشد ونبه الأمة إلى استعمال القياس، حيث قاس دين الله على دين الآدمي في وجوب القضاء ونفعه.

فالأصل: دين الآدمي؛

والفرع: دين الله وهو الحج هنا؛

العلة: أن كلاً منهما يطلق عليه دين، وسيطالب به إن لم يفعله؛

مدخل لدراسة المذهب المالكي.. (17)الحكم: وجوب القضاء، وتأكد النفع[1].

قوله صلى الله عليه وسلم لعمر حين سأله عن القبلة للصائم: “أرأيت لو تمضمت؟” فهو قياس للقبلة على المضمضة بجامع أنها مقدمه الفطر.

ووجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاس القبلة على المضمضة في عدم الإفطار، بجامع بينهما أن كلاً منهما مقدمة لما يترتب منها المقصود، حيث إن القبلة لم يترتب عليها هنا أربعة أركان:

الأصل: المضمضة للصائم؛

الفرع: القبلة للصائم؛

العلة: أن كلاً منهما مقدمة للإفطار، ولا يفطر؛

الحكم: أن القبلة لا تفطر كما أن المضمضة لا تفطر[2].

قال الخطابي: “في هذا الحديث إثبات القياس, والجمع بين الشيئين في الحكم الواحد لاجتماعهما في الشبه، وذلك أن المضمضة ذريعة لنزوله إلى الحلق، ووصوله إلى الجوف، فيكون فيه فساد الصوم، كما أن القبلة ذريعة إلى الجماع المفسد للصوم، فإذا كان أحد الأمرين منهما غير مفطر للصائم، فالآخر بمثابته“.

ومن عمله صلى الله عليه وسلم واحتجاجه بالقياس ما ورد أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “يا رسول الله ولد لي غلام أسود، فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟  قال: حمر. قال: هل فيها من أورق؟ قال: نعم. قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: لعله نزعه عِرْق. قال: فلعل ابنك هذا نزعه عرق“.

فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم للسائل أن الحمر من الإبل قد تنتج الأورَق إذا نزعه عرق، فكذلك المرأة البيضاء تلد الأسود إذا نزعه عرق[3].

ومن عمله الدال على استعماله القياس ما جاء في صحيح مسلم في حديث طويل نختصر الشاهد منه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: “وفي بُضْع أحدكم صدقة” قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك لو وضعها في الحلال كان له أجر”، فهذا نوع من القياس.

ومن تقريره الدال على جواز القياس حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: “كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. قال: فضرب بيده في صدري وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله[4]. قال ابن عبد البر في سند هذا الحديث “وحديث معاذ صحيح مشهور رواه الأئمة العدول، وهو أصول في الاجتهاد والقياس على الأصول[5].

فهذا إقرار منه صلى الله عليه وسلم على جواز القياس، حيث أن القياس ضرب من أضرب الاجتهاد باتفاق الجمهور.

يتبع في العدد المقبل..

—————————-

1. إتحاف ذوي البصائر، 4/2188.

2. انظر روضة الناظر، إتحاف ذوي البصائر، 4/2189.

3. ينظر جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، 2/66.

4. أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، 2/55-56.

5. ابن عبد البر جامع بيان العلم وفضله، 2/77.

أرسل تعليق