Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

مبدأ اللزوم ومراتب الدلالة.. (8)

أما عن العلاقة بين المنطوق به والمسكوت عنه، فيمكن القول إن المسكوت عنه هو مجموع العناصر التي تتحدد بمقام الخطاب والتي تقوم بوظيفة تكميل العناصر المندرجة تحت المنطوق، وتتميز العناصر التي تتحدد بالمقام (أي الأفراد المسكوت عنها) بالوصف السلمي، أي أنها تحتمل ترتيبا سلميا، بحيث إذا صدق حكم معين بصدد أحد هذه العناصر، فإن هذا الحكم يصدق في حق العنصر الذي يعلوه صدقا أقوى أو مساويا لصدقه.

تحريم الإتلاف، فالإحراق يساوي الأكل في الدلالة على الإتلاف.

فكل ما يكون محرما بالنسبة لعنصر ما يكون محرما بالنسبة للعنصر الذي يليه من باب أولى، فتحريم التأفيف بالنسبة للوالدين يلزم عنه حرمة الضرب والشتم من باب أولى وأحرى.

مبدأ اللزوم ومراتب الدلالة.. (8)

أما عن الجانب الثالث، فيرى الشافعي أن الأصل في إدراك مفهوم الموافقة هو القياس، لذا فقد عدها موردا من موارده، بينما يرى الإمام الباجي أن مفهوم الموافقة تدرك إدراكا مباشرا استنادا إلى مقتضيات اللسان العربي دون حاجة إلى إعمال القياس. قال مدللا على دعواه: “يدل على هذا أن قوله تعالى: “فلا تقل لهما أف“، يفهم منه المنع من الضرب من لا يعلم القياس ولا مواقعه، ولا كيفيته ممن يفهم اللسان العربي، ولو كان ذلك من جملة القياس، لما صح أن يفهمه إلا من يعلم القياس، وجهة الاستنباط للعلة وحمل الفرع على الأصل بعد الجمع بينهما لعلة مؤثرة في الحكم. ومما يدل على ذلك، أننا نجد أنفسنا عالمة عند سماع هذا اللفظ بالمنع من الضرب للوالدين والشتم قبل النظر والاستدلال وتحكيم القياس والاجتهاد في العلة، فلو كان ذلك من جهة القياس لوجب ألا يقع لنا العلم بسماع الخطاب حتى يقصد استنباط العلة وحمل الفرع على الأصل، ولما وجدنا أنفسنا عالمة بالمراد عند ورود الخطاب، علمنا أن ذلك من جهة اللغة دون القياس”[1].

غير أنه ما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام أن الآلية الاستدلالية التي يتقوم بها مفهوم الموافقة راسخة في الوصف القياسي، إذ حاصل هذه الدلالة إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به في الحكم لمعنى يستوجب هذا الإلحاق، فالعناصر الداخلة في تركيبها هي نفسها العناصر التي ينبني عليها الاستدلال القياسي، وهذا لا يتنافى مع القول بكونها تدرك إدراكا مباشرا أو استنادا إلى موجبات اللسان العربي؛ لأن التأمل والاستدلال يتدخل حتى في فهم الدلالة الحرفية للقول، ولذلك فدلالة مفهوم الموافقة دلالة لزومية انتقالية  تتخذ صورة النقلة الذهنية التي تميز الفعل الاستدلالي القياسي، وعليه فإن تسمية الشافعي لمفهوم الموافقة بالقياس الجلي لها نصيب من الوجاهة..

يتبع في العدد المقبل…

————————————-

1. إحكام الفصول، ص: 440.

أرسل تعليق