Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

ليس المحب الذي يرجو من محبوبه عوضا، أو يطلب منه غرضا؛ فإن المحبّ من يبذل لك، ليس المحب من تبذل له

      في هذه الحكمة المباركة يجلي الشيخ بن عطاء الله رضي الله عنه معالم المحبة الصافية، الخالصة من شوائب الأغيار وأخلاطها، وقول الشيخ رحمه الله “ليس المحب الذي يرجو من محبوبه عوضا، أو يطلب منه غرضا” إرساء لقاعدة سَنيّة في المحبة، وهي أن المحبة الأخلص هي تلك التي لا ترتبط بشيء يعود على المحبّ من المحبوب، ولا تتأثر زيادة أو نقصانا ببذل عوض أو تحقيق غرض، فالعوض كله من الله خالق المُحبّ والمحبوب، وإذ إن المحبة انجذاب للمحب نحو المحبوب، لخصال تستوجب ذلك، وتكون هي الدواعي لهذا الانجذاب؛ فإن المحبة كانت على أضرب، تتسامى نحو حضرات القدس، أو تتدنّى نحو حضيض الحس، بحسب الخصال التي استوجبتها، وأنبل وأقوى ضرب من المحبة، ذاكم الذي يكون لله، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله” وذكر منهم عليه الصلاة والسلام: “ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه” [صحيح البخاري، رقم الحديث 1340].

      وما نبل وقوة هذه المحبة إلا لكونها فرعا عن أصل محبة الله عز وجل، فهي لوجه الله سبحانه، في اعتقاد جازم أن المعطي هو الله جل وعلا، والكافي هو الله سبحانه، والواهب هو الله عز وجل، فيكون المحب لله مستغنيا به عمن سواه، محبا لمحبوبه في الله غير ناظر إناه، مستحييا من الله تعالى أن يسأل غيره شيئا، وهي وصية سيد الخلق عليه الصلاة والسلام لابن عباس رضي الله عنهما: “يَا غُلَامُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ؟”، فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: “احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ لْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْه، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” [مسند أحمد بن حنبل، رقم الحديث: 2699].

      هذا عن المحبة بين المخلوق والمخلوق، أما محبة العبد ربَّه فهي الأنبل، والأسمى والأصدق، إذ محبة الله تكون لأنه سبحانه أهل لذاك، وتترسخ لأن العبد المحب لربّه، يدرك في نفسه أنها مدد لا يغيض.

      وقول الشيخ رضي الله عنه: “فإن المحبّ من يبذل لك، ليس المحب من تبذل له”؛ مفاده أن المحب المنجذب نحو محبوبه لا يرنو إلى شيء ينوبه من محبوبه أكثر من قربه ورضاه، إلى درجة أن البذل للمحبوب مع تقبله يعتبر من أعظم الأمور الجالبة للسعادة والاغتباط، فأعظم البذل بالنسبة للمحب هو إقبال محبوبه عليه ورضاه عنه.

      وهو ما عبرت عنه متيمة الحب الإلهي رابعة العدوية، بقولها رضي الله عنها:

        فليتك تحلــــو والحيـــاة مـريـرة          وليتك ترضـــى والأنــام غضــاب

        وليت الـذي بيني وبينك عامــر          وبينـــي وبين العالميــن خـراب

      والله المستعان

الأمين العام

                                                                                                               للرابطة المحمدية للعلماء

أرسل تعليق