Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

..لا تصحب من لا ينهضك حاله

      هذه الحكمة المباركة مندهقة من مشكاة قوله تعالى: “الاَخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين” [سورة الزخرف، الآية: 67]، وفي هذه الحكمة النفيسة يرسي شيخ المرسي سيدي ابن عطاء الله عنهما أسس وقواعد الصحبة في وعي متوهج بقيمة أنفاس المرء، وبكونها أنفس من أن تهدر سدى مع من لا تفيد صحبته سيرا إلى ذي الجلال وتُجدي.

      فقوله رضي الله عنه: “لا تصحب من لا ينهضك حاله، ولا يدلّك على الله مقاله”، يفيد معيارين واجبي اللحظ في اصطفاء الأصحاب:

      أولهما: أن ينهضك حاله، والقصد من إنهاض الحال هو أن تبصر من المصحوب ما يدلك على تقصيرك، ويظهر أمامك إمكان على تجاوز ذاتك، وقد نقل عن الحسين بن علي زين العابدين قوله: “كنت إذا لقست نفسي (أي تعبت) نظرت إلى أخي محمد بن واسع، فأعمل على تلك النظرة أسبوعا”، فمن كان حاله التشمير؛ فإن شعاعات عزيمته لاشك تضيء طريق من يصحبه.

      والقصد من ذلك، أن يكون المصحوب دائم التوجه إلى القبلة المثلى، وجه الله تعالى، ومن كان توجهه كاملا؛ فإن همّه يكون مجتمعا على بلوغ غايته التي يتوجه إليها، مما ينفع من يصحبه، وهو قوله تعالى: “واصبر نفسك مع اَلذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا” [سورة الكهف، جزء من الآية: 28].

      وثانيهما: أن يدلك على الله مقاله؛ وهذا المعيار فرع عن الأول، فالمقال لا يكون نافذا إلا إذا كان خالصا وصادرا من قلب صادق، وإذا كمل التشمير والتوجّه؛ فإن الجوارح تتبعهما فيكون اللسان واصفا لما يعاش، وليس مجرّد مردّد لما سمع أو قرأ، فإذا انضاف إلى هذا الصدق محبّة المصحوب؛ فإن القول يكون مضمّخا بالحرص على المصحوب، والرأفة والرحمة به، وإرادة النفع له، وكراهة الضرر له، وهو ما جاء النص عليه في حالة كماله وتجلّيه المحمّديين بقوله تعالى: “لقد جاءكم رسول من اَنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رؤوف رحيم” [سورة التوبة، الآية: 128]، فيكون مقال من هذا حاله، دالاّ على رب العزة هاديا إليه..

      قول الشيخ بن عطاء الله رحمه الله: “ربما كنت مسيئا فأراك الإحسان منك صحبتك لمن هو أسوأ حالا منك”، مفاده أن صحبة من يكون حاله التقاعس والتقصير وإتباع نفسه هواها، والتمني على الله الأماني، قد يؤدّي بك إلى الرضى على ما أنت فيه، فينطبق عليك قول من قال:

          ولست أرى في العالمين عيبا      كنقص القادرين على التمام

      وليس تضييعٌ أعظم من تضييع نهزة الحياة لتوقّل ذُرى القرب من ذي الجلال والإكرام، قُربَ خُلدٍ يكون متجلاّه قوله تعالى: “في مقعد صدق عند مليك مقتدر” [سورة القمر، الآية: 55].

      والله المستعان

الأمين العام

للرابطة المحمدية للعلماء

أرسل تعليق