Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

علومنا الإسلامية والسياق الكوني المعاصر..(6)

يستنبط من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي رواه إمامنا مالك من طريق عائشة والذي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لَوْلَا حَدَثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَصَيَّرْتُهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ[1]. ففوت عليه الصلاة والسلام هذه المصلحة (إعادة إقامة الكعبة على قواعد إبراهيم) حتى لا يجلب مفسدة هي أرجح من هذه المصلحة؛ أي افتتان الناس؛ لأنهم لا يزالون مرتبطين بعالم الأشياء، على حد تعبير مالك بن نبي.

غير أن التعامل مع هذه المشاكل الثلاث في أفق حلها لابد له من مقتضيين منهاجيين:

المقتضى الأول: هو المنطلقات التي ينطلق منها الفقيه المسلم؛ أي الباراديغمات Paradigmes والنماذج المعرفية. فينبغي أن يكون من الواضح أن الفقيه المسلم يريد تحقيق مرضاة الله، وتحصيل السعادتين العاجلة والآجلة للجنس البشري، ويريد إشاعة التكامل بين أفراد المجموعة البشرية، ويريد إشاعة التكامل بين أفراد المجموعة البشرية؛ هذه الأسرة الإنسانية الممتدة؛ لأنه قد سادت في أزمنة معينة نماذج أخرى فيها من الانسحاق أو الانغلاق ما فيها.

وإن من الباراديغمات والنماذج المعرفية التي يحق للمسلمين أن يفخروا بها: النموذج التعارفي المنطلق من قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” [الحجرات، 13]. وهو نموذج يسعى بوازعه الإنسان المسلم؛ ذكرا كان أو أنثى، إلى تحقيق التعاون والتكامل بين أفراد الأسرة الإنسانية الممتدة.. إنه نموذج يتجاوز النموذج المعرفي القائم على مجرد التسامح. فالتسامح يستدمج بين طياته أن هذا الآخر في درجة أدنى ولكن أنا أتسامح معه! أو أخطأ وأنا أتسامح معه! بيد أن التعارف فيه الحاجة المتبادلة والاحتياج المتبادل؛ مما يفسح المجال أمام التكميل والإثراء المتبادلين بين العالمين عوض التنافي والصراع.

المقتضى المنهاجي الثاني: هو تحديد آليات التعاطي مع هذه المشاكل الثلاث، وتبين العلاقة الجدلية بين النماذج المعرفية التي تُشكل المنطلقات وبين الآليات المستعملة من أجل تحقيق الغايات المستهدفة أو الأهداف المتغياة.

فالآليات، رغم ما قد يتبادر إلى الذهن من أنها محايدة، ليست كذلك. فلا يجوز الوقوف فقط مع شرط الفعالية في الآليات، وإنما وجب أيضا أن يتم التأكد من تماديها وتناغمها مع المنطلقات. ومع النماذج المعرفية التي تشكل المنطلقات والمبادئ والقيم التي تحملها حضارة معينة ودين معين

يتبع في العدد المقبل

———————

1. أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الحج، باب ما جاء في بناء الكعبة، حديث رقم: 104.

أرسل تعليق