Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

عذرا سيدتي..!!

      –  قالت: شكرا لفلانتين الذي أهدى للمرأة عيدا جميلا يذكّر الجميع بأسمى شعور فيها.. وشكرا للمنظمات الوطنية والدولية التي احتفت بالمرأة وحقوقها في ثامن مارس وفي أيام أُخرى..

      –  قلت: وكذلك الشأن في الإسلام، فالمرأة معززة ومكرمة..

      –  فقاطعتني قائلة: هل تعتقد ما تقول؟ إني امرأة معتزة بإسلامي وأفتخر به، إلا أن أغلب فقهاء الإسلام بحثوا عن كل نقيصة فوجدوها مجمّعة في المرأة..!! بل بلغ الأمر بهم -على سبيل المثال- حد إجماعهم على فقدانها أهلية ممارسة القضاء!! فأين وجه التكريم في هذه المسألة؟

      –  قلت: عذرا سيدتي.. النقاش في موضوع المرأة في الإسلام طويل ومتشعب.. وحسبي أن أقف معك قليلا مع قضية القضاء التي تحتاج شيئا من التوضيح أختصره في كلمات معدودات:

      فغير خاف على كل باحث في هذا الموضوع قديما وحديثا أن آية القوامة “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ اَمْوَالِهِمْ” [النساء، 34] هي الدليل المعول عليه عند الفقهاء المانعين تولي المرأة القضاء في الإسلام.. والناظر في كتب التفسير يلاحظ أن غاية ما في الأمر أن هذه الآية موضوع القضية ترتبط بمجال الأسرة ولا علاقة لها بأهلية المرأة أو عدمها..

      ويزداد الأمر حدة عند بعض الفقهاء المانعين حين يستدلون بالحديث الذي أخرجه الإمام البخاري “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”، وخاصة فقهاء الحنابلة الذين قالوا بأنه لا يجوز تولي المرأة منصب القضاء على الإطلاق.. ولهذا نجد الإمام ابن قدامة المقدسي في كتابه “المغني” يدافع عن هذا الرأي ويشترط في القاضي ثلاثة شروط، أهمها شرط الكمال، وهو نَوعان: كمال الأحكام وكمال الخلقة. أما كمال الأحكام فيُعْتَبَر في أربعة أشياء: أن يكون بالغا عاقلا حُرًّا ذكَرًا.. ثم يستدل على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة”..

      ثم يسترسل في توضيح هذا الأمر بالتأكيد في قوله على أن القاضي يحضره محافل الخصوم والرجال، ويحتاج فيه إلى كمال الرأي وتمام العقل والفطنة، والمرأة ناقصة العقل قليلة الرأي ليست أهلا للحضور في محافل الرجال، ولا تقبل شهادتها ولو كان معها ألف امرأة مثلها ما لم يكن معهن رجل. وقد نبه الله تعالى على ضلالهن ونسيانهن بقوله تعالى: “اَن تَضلَّ إِحْدَاهُما فَتُذكرَ إِحْدَاهُما الاُخْرَى” [البقرة، 281]. ولا تَصْلُح للإمامة العظمى ولا لِتولية البلدان، ولهذا لم يُولّ النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خُلفائه ولا من بعدهم امرأة قضاء ولا ولاية بلد فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يَخْلُ منه جميع الزمان غالبا..

      مثل هذا الكلام كثير ومتنوع في كتب الفقه والسياسة الشرعية وغيرها، وحين الاطلاع عليه في مظانه يستصحب القارئ معه أسئلة كثيرة يحتاج إجابة عنها من المبصرين ذوي التمييز في شرع الله العزيز.

      من ذلك أن الحديث المستدل عليه لمنع تولي المرأة منصب القضاء ومناصب المسؤولية في شؤون الدولة هو في حد ذاته مثار إشكال معرفي في فقه صحته وثبات روايته وعلم درايته سلفا وخلفا..! خاصة إذا علمنا أن السياق الذي رواه فيه الإمام البخاري في صحيحه يؤكد ذلك حين أورد في كتاب الفتن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر فقال: عن أبي بكرة قال: نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعدما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.

      وبالرجوع إلى كتب التاريخ والسيرة نجد أن الملكة بوران ابنة كسرى كانت فترة حكمها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا عين ما أورده ابن خلدون وابن كثير وغيرهما من المؤرخين المسلمين.. فكيف يرد في الحديث نصا “فلما بلغ رسول الله..” مع أن الملكة بوران لم تتول الحكم إلا بعد عامين من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام؟!

      ثم إن الإمام الطبري في تاريخه يؤكد أن هذه الملكة أحسنت السيرة في رعيتها وبسطت العدل فيهم، وأمرت بضرب الورق، ورم القناطر والجسور، ووضعت بقايا بقيت من الخراج على الناس عنهم.

      وكتبت إلى الناس عامة كتبا أعلمتهم ما هي عليه من الإحسان إليهم، وذكرت حال من هلك من أهل بيت المملكة، وأنها ترجو أن يريهم الله من الرفاهة والاستقامة بمكانها ما يعرفون به أنه ليس ببطش الرجال تدوخ البلاد، ولا ببأسهم تستباح العساكر، ولا بمكايدهم ينال الظفر وتطفأ النوائر، ولكن كل ذلك يكون بالله عز وجل. وأمرتهم بالطاعة، وحضتهم على المناصحة، وكانت كتبها جماعة لكل ما يحتاج إليه..

      أما ضلال النساء الذي تحدث عنه الإمام ابن قدامة وغيره حين استدل بقوله تعالى: “اَن تَضلَّ إِحْدَاهُما فَتُذكرَ إِحْدَاهُما الاُخْرَى” [البقرة، 282] فالقصد منه هو النسيان كما ذكر الإمام القرطبي وغيره من علماء التفسير، وهذا طبيعي في المرأة لأن الغالب عليها أنها لا تهتم بأمور المال والتجارة والأعمال والشهادة فيها إلا لماما كما هوا وارد في السياق القرآني موضوع الآية، فكيف نحمل النص القرآني ما لا يحتمل فنحكم به على ضلال المرأة وفقدان أهليتها؟

      أما كون النبي صلى الله عليه وسلم -ومن جاء بعده من الخلفاء الراشدين والحكام والأمراء- لم يُولّ امرأة قضاء ولا ولاية، فهذا الكلام ليس حجة كما هو متعارف عليه عند علماء الأصول؛ لأن الترك ليس من السنة..

      ولعل أهم ما يصطدم به الباحث في الفكر الإسلامي في قضية تولي المرأة القضاء هو ما تنقله بعض كتب الفقه من أن هذا الأمر قد حظي بإجماع الأمة، وانتهى أمر المسألة التي فيها يستفتون!!

      ويكفي المرء أن يعود إلى المذاهب الفقهية وأمهات الكتب فيها ليدرك أن تولي المرأة القضاء في الإسلام ليس فيه شيء من الإجماع على الإطلاق، حيث وجدت استثناءات عند فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية.. بل بلغ الأمر عند بعض أهل العلم أن صرحوا بجواز تولي المرأة منصب القضاء بشكل مطلق، وبهذا قال الإمام ابن جرير الطبري في كتابه “اختلاف الفقهاء”، وكذلك الإمام ابن حزم في “المحلى”، وفي هذا كذلك روايات أخرى تنسب لمؤسسي المذاهب الفقهية أنفسهم.. فأين الإجماع المتحدث عنه في هذه القضية؟

      مما لا شك فيه إن الذين منعوا المرأة المسلمة من تولي مسؤولية القضاء وغيرها من أمور السياسة وتسيير الشأن العام بحجة نقص عقلها وقلة رأيها وأنوثة جنسها وضلال فكرها وغير ذلك من العلل العجيبة، هؤلاء وأمثالهم سيحتاجون -حين عرض رأيهم على كتاب الله الحكيم وسيرة النبي الأمين وتاريخ الإسلام المجيد في هذه القضية- إلى الجواب عن مجموعة من الأسئلة، منها:

      •  ما رأيهم في ملكة سبأ التي بصُـرت بما لم يبصر به أشد الرجال عقلا وفكرا ونظرا فأسلمت مع النبي سليمان لله رب العالمين، فخلد الله ذكرها بكل خير وفلاح وصلاح وسداد في كتابه المجيد؟

      •  وما قولهم في آسية امرأة فرعون التي ضرب الله بها مثلا للذين آمنوا في نفاذ بصيرتها وصفاء عقلها وقوة إرادتها ورجحان عقلها للاهتداء إلى صراط الله المستقيم حين قالت “رَبِّ اِبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين” [التحريم، 11]؟

      •  وما ظنهم بأم المؤمنين خديجة التي آمنت بدعوة الرسول الكريم قبل الرجال، وواسته قبل مواساة صحابته؟

      •  وما رأيهم في أم المؤمنين عائشة العالمة الشاعرة التي كانت تستدرك على بعض الرجال من علماء الصحابة في أمور فقهية دقيقة وروايات حديثية عديدة؟

      •  وما هو قولهم في الشفاء بنت عبد الله العدوية التي ولاّها عمر الفاروق مهمة الحسبة في سوق المدينة؟

      •  وما قولهم في سمراء بنت نهيك التي كانت عليها دروع غليظة، وخمار غليظ، وبيدها سوط تؤدب الناس، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في صدر الإسلام؟

      إن التاريخ الإسلامي حافل بالعديد ممن رضي الله عنهن وأرضاهن من أمهات المؤمنين والصحابيات والعالمات والحافظات والأديبات والشاعرات والمجاهدات.. وقد ترجم الحافظ ابن حجر في كتابه “الإصابة” لثلاث وأربعين وخمسمائة وألف منهن..! فكيف إذا أضيف إليهن ما زخر به التاريخ الإسلامي بعد عهد ابن حجر إلى يومنا هذا؟

      لا أقف في هذه المقالة المقتضبة موقف المدافع عن حقوق النساء، فهي والحمد لله محفوظة لهن في شرع الله الحكيم.. ولا أنوب عن فلانتين في يوم عيده، ولا عن المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية في أداء دورهن تجاه المرأة؛ فإني لم أتسلم صك النيابة بعد..!! ولكن أردت أن أنبه أولا على أن كثيرا من قضايا الفكر الإسلامي في تراثنا تحتاج إلى فقه المراجعة لرفع بعض الظلم الذي لحق الرجال والنساء على حد سواء، ثم ثانيا أن أعتذر إلى المرأة المسلمة عن بعض التسلط المعرفي الذكوري الذي أغرق جزءً من الفقه الإسلامي في بحر لجي من الاجتهادات المرتبطة بالعادات والأعراف والتقاليد والثقافات والخصوصيات التي طبعت المجتمع الإسلامي برمته حتى كادت أن تصبح شرعا يهتدى..!!

      فألف ألف تحية إعزاز وتقدير في كل زمان ومكان لكل امرأة كرّمها العزيز المنان..

التعليقات

  1. د.سعد كموني

    الحمد لله أن فتح الله عليك بما يرضي الحيارى في هذه المعمعة،
    وشكراً لك أن وطنت نفسك للإنصاف، لك مني كلّ التقدير،
    وألف تحية وسلام

أرسل تعليق