Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

عبد الله بن حسين الأمغاري

      مما لا شك فيه أن بيت آل أمغار بيت مبارك أنجب أعلاما وأئمة ساهموا بحظ وافر في نشر العلم والصلاح ببلدنا الطيب. وقد مر معنا في سلسلة “علماء وصلحاء” الحديث عن مؤسس رباط تيط الشيخ أبو عبد الله أمغار، الذي قال ابن عبد العظيم الأزموري في كتابه المخطوط “بهجة الناظرين وأنس العارفين” (الخزانة العامة بالرباط تحت رقم: 3770): “أن شهرة أبي عبد الله أمغار الذي خلف والده أبا جعفر إسحاق على القيادة الدينية لمجتمع آزمور قد امتدت من الإسكندرية إلى السوس الأقصى، كما امتدت من حيث الزمان على طول فترات حكم كل من يوسف ابن تاشفين وابنه علي الذي كان يعتبر أبا عبد الله محمد أمغار “شيخ المشايخ” وقدوة الأولياء، وعهدة الأصفياء..”؛ وهذا يبرز في اعتقادي مركزية رباط “تيطنفطر” العلمية والروحية خصوصا خلال مشيخة صاحبنا أبي عبد الله الذي جمع حوله خيرة أقطاب العلم والصلاح في عصره ضمن “إستراتيجية” علمية وتربوية لنشر العلم ومكارم الأخلاق في بعد رسالي واضح المعالم… وتحدثنا أيضا عن حفيده محمد أمغار الصغير شيخ الإمام محمد بن سليمان الجزولي؛ فقد قضى سيدي محمد بن سليمان الجزولي ما شاء الله من زمن في فاس قبل أن يرحل للاتصال بالعارف سيدي أبي عبد الله محمد أمغار الصغير بمدينة تيط، إثر ذلك دخل في خلوة طويلة مكث فيها صحبة سيدي أمغار برباط تيط حوالي أربعة عشر عاما، وخلالها ختم الإمام الجزولي مع المريدين عشرات الآلاف من “الدلائل”… ولقد تواتر العلم والصلاح في أسرة آل امغار بحيث نجد فروع هذه الزاوية المباركة تنتشر في الزمان والمكان..

      وقد قال ابن قنفذ في “أنس الفقير وعز الحقير” عن بيت آل أمغار: “هذا البيت أكبر بيت في المغرب في الصلاح لأنهم يتوارثونه كما يثوارت الناس المال ومازالوا إلى الآن يتوارثونه والغالب أنهم أعلام في الصلاح رضي الله عنهم، وقال بن الزيات التادلي في “التشوف”: “أنهم  يتوارثون الصلاح خلفا عن سلف”…

      وقد أثار انتباهي ما ذكره ابن عبد العظيم الأزموري في “بهجة الناظرين” أن شيوخ الزاوية “الأمغارية” بدءً بأبي جعفر إسحاق والد أبي عبد الله أمغار كانوا يقتاتون من طعام الكون، وهذه العبارة الكونية حاملة لدلالات فكرية وثقافية عميقة وتدل لا محالة على إحساس عميق بالطبيعة والكون على اعتبار أن الإنسان جزء من المنظومة الكونية ووجب عليه الارتباط الفعلي بالأرض بما ينسجم مع أصله الكوني، وهذه مسألة بالغة الأهمية تحسب لآل أمغار..

      خلال القرن العاشر الهجري سينبري رجل فاضل من بيت آل أمغار لنشر العلم والصلاح بناحية مراكش، فقام بتأسيس زاوية بتامصلوحت بتشجيع من شيخه وأستاذه الكبير عبد الله الغزواني مول لقصور تلميذ عبد العزيز التباع تلميذ الإمام الجزولي، يتعلق الأمر بالعالم الصوفي عبد الله بن حسين الأمغاري…

      يقول ابن عسكر في دوحة الناشر: “ومنهم أعجوبة الدهر الشيخ الولي ذو المناقب التي لا تحصى كثرة أبو أحمد عبد الله بن حسين الحسني، من شرفاء بني أمغار أهل عين الفطر الذين ألف في مناقبهم صاحب “التشوف” والتجيبي ومحمد بن عياض وغيرهم. كان هذا الشيخ من أصحاب الشيخ سيدي أبي محمد الغزواني…

      ويفيدنا ابن عسكر بخبر خطير، هو استمرار لما كنت ذكرته في مقالتي حول سيدي الغزواني مول القصور فيما يخص عمارة القفار وجلب النماء والماء وتدبير المجال، يقول فيه: “حدثني الرضى الشيخ أبي إبراهيم المدفون بقرية تامصلوحت على نصف مرحلة من مراكش، والقرية المذكورة خالية متعطشة لا ماء بها، وكان والدي في جملته، فالتفت إليه الشيخ وقال له: يا عبد الله هذا موضعك وإن الله يحيي عمرانه على يديك، فانزل بأهلك وولدك.. قال فارتحل والدي وليس معه أحد إلا أنا وأمي وبقرة واحدة وتلّيس على عاتقه لفراشه، فنزلنا بتامصلوحت والأرض خالية مقفرة لا أنيس بها، فاستوحشت أنا وأمي وقلت هذا تغريز..” (ص: 95-96)…

      سار عبد الله بن حسين على منهج أستاذه الغزواني، وبدأ مشروعه التعميري خطوة خطوة عبر استصلاح الأراضي وشق السواقي ومحاربة الحيوانات المؤذية للمحصول مثل البرطال والجراد… وما أريد التأكيد عليه هنا هو التقاء عنصرين أساسيين ساهما في تحويل تامصلوحت من مكان جذب قفر إلى مجال خصب وهما: وراثة الصلاح وفقه “العمارة” من أسرة آل أمغار العريقة والتأثير الكبير للشيخ الغزواني، “الفلاح” المربي الكبير الذي كان يمزج بين البحث عن “النقطة الأزلية” وامتداداتها في العالم الأرضي عبر معانقة التراب والتمتع برائحته الكونية والتحقق الميداني من أسرار الخلق عبر تفجير المياه وإنبات النبات..

      وقد خلف عبد الله بن حسين على زاويته بتامصلوحت ابنه أبو العباس أحمد، وكان صديقا لابن عسكر صاحب دوحة الناشر، فلا نجد تبعا لذلك مصدرا أنفع منه لتقريبنا من البيئية الصوفية والاجتماعية التي كانت عليها زاوية تامصلوحت زمن سيدي أحمد بن عبد الله بن حسين؛ يقول ابن عسكر: “وخلف ولده السيد أبا العباس أحمد، وناهيك به فضلا وكرما وسخاوة نفس ونزاهة فعل وعلو همة، وله في الإيثار وبسط المؤانسة وحسن العشرة آثار جليلة. صحبته مدة مديدة وحمدت صحبته وشكرت أفعاله الجميلة، ولقد حضرت عنده بزاوية أبيه في بعض المواسم، فرأيت العجب من ازدحام الخلق عليه وكثرة الوفود، وقد ذبح لهم بين يوم وليلة سبعمائة شاة من الغنم ومائتين من البقر ونحو عشرين من الإبل، ومطابخ الطعام شيء لا يقدر على وصفه. وقد هيئوا للطعام أحواضا عظيمة، وحضر الغذاء فرتبوا الناس للأكل وجعلوا عشرة أنفس في كل دائرة”، توفي أحمد بن عبد الله بن حسين سنة 985هـ، ودفن بتامصلوحت بجوار أبيه، وأحمد هذا هو والد مولاي إبراهيم الولي الشهير بناحية مراكش المعروف عند الناس بطير الجبال..

      بالإضافة إلى المشروع التعميري الكبير الذي اضطلع به الإمام عبد الله بن حسين الأمغاري في منطقة حوز مراكش، نجد أثره وفضائله تمتد إلى مناطق أخرى من بلدنا المبارك عبر تلاميذ أفذاذ أدركوا رسالته وساهموا في تجسيدها على مستوى الحياة والخبرة العملية؛ منهم مؤسس الزاوية الريسونية محمد بن علي بن عيسى المعروف بالشريف تلميذ صاحبنا الشيخ مولاي عبد الله بن حسين الأمغاري، وقد ساهمت هذه الزاوية في الدفاع عن الثغور المغربية، وقامت الزاوية الريسونية دورا مهما في معركة واد المخازن…

      وقد ساهم أبناء وحفدة سيدي عبد الله بن حسين في نشر التعاليم المصلوحية الجزولية الامغارية في مناطق متفرقة من المغرب، فنجد مثلا الزاوية السايسية بدكالة، وقد نشأت هذه الزاوية وازدهرت على عهد عبد السلام بن سعيد بن أحمد بن عبد الله بن حسين، وتعتبر زاوية سايس امتدادا لزاوية تامصلوحت، وكان أول مستقر بها الشيخ عبد السلام الأمغاري صحبة ولديه إسماعيل وسعيد، إلا أن إقامته لم تطل حيث عاد إلى بلده الأصلي تامصلوحت وتوفي هناك، ورجع بعد ذلك الأخوان إسماعيل وسعيد إلى سايس ومنهم تشكلت الأسرة السايسية؛ والسايسيون يوجدون اليوم بدكالة بأولاد بوعزيز بين زاوية سيدي إسماعيل وخميس ازمامرة، وكان لإسماعيل الأمغاري حظ من العلم خصوصا في علمي التفسير والحديث والمنطق، وكان معاصرا للسلطان العلوي مولاي إسماعيل، وكانت بينه وبين الشيخ سيدي أحمد بناصر الدرعي لقاءات ومناظرات بتامكروت….

      وكما وقع مع الأستاذ عبد الله الغزواني المتوفي سنة 935 هـ تلميذ التباع وشيخ عبد الله بن حسين مع السلطان أبي عبد الله البرتغالي (الوطاسي)، الذي قبض عليه مسلسلا، ثم عندما حاول تطبيق مشروعه الفلاحي في ضاحية فاس، واستخراج ساقية ماء لسقي زرعه ينتزعها منه السلطان غصباً، كذلك وقع لعبد الله بن حسين تلميذ الغزواني، عندما استقر بمراكش، وكثر مريدوه، أمره السلطان “الغالب بالله” السعدي بإغلاق بيته، وفرضَ عليه الإقامة الإجبارية، ثم رحل إلى “تامصلوحت” بإشارة من شيخه الغزواني حيث أنسل ذريته، وسيذهب حفيده أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الله بن حسين المصلوحي المتوفي سنة 1072هـ، الذي فرَّ من بطش السلطان زيدان بن أحمد المنصور إلى سكتانة في جبل “كيك” حيث ضريحه حاليا بنواحي مراكشً… نستفيد من كتاب محمد جنبوبي “الأولياء في المغرب (2004) أن مولاي إبراهيم تربى تربية صوفية وعلمية في زاوية جده بتامصلوحت؛ في ظل هذه الزاوية وبين أجوائها ستتكون شخصية إبراهيم لمغاري، وتتحدد معالمها الصوفية بين رجالها وفقهائها والمترددين عليها من شيوخ العصر من أمثال عيسى بن عبد الرحمن السكتاني الذي كان أحد أبرز علماء مراكش، وعبد الله بن طاهر الحسني، وقد كانت لسيدي إبراهيم المصلوحي مشاركة في العلوم حيث أخذ عن الإمام المنجور-وما أدراك ما المنجور- وعبد الله بن طاهر الحسني وعيسى السكتاني. وأمام الشهرة التي أصبح يتمتع بها سيتضايق السلطان زيدان منه وينزعج من تنامي مكانته الاجتماعية، فحاول القبض عليه، مما اضطر إبراهيم إلى مغادرة مراكش كما فعل جده عبد الله بن حسين من قبله، حيث لجأ إلى زاوية جده بتامصلوحت قبل أن ينتقل إلى خلوته بجبل كيك، ثم ما لبث أن أسس زاويته بالقرب من خلوته الجبلية، وهي المكان الذي يعرف اليوم بمولاي إبراهيم بقبيلة سكتانة قرب مراكش.. وبذلك سيضيف مولاي إبراهيم لغماري إلى الزوايا الأمغارية في كل من تيط وابزو وتامصلوحت زاويته التي أسسها بكيك، وقد ساهمت هذه الزاوية أيضا في الاستمرار في سياسة استصلاح الأراضي وشق السواقي التي كان جده عبد الله بن حسين أسسها على خطى أستاذه الغزواني مول لقصور.

      وقد لاحظ فقيد العلم بالمغرب بول باسكون في دراسته الرائدة le Haouz de Marrakech استنادا إلى بعض الوثائق التي حصل عليها من زاوية تامصلوحت كيف أن أبناء زاوية عبد الله بن حسين حافظوا على حقوقهم في وادي الشريب ووادي باهية منذ 1569 بالنسبة للأول و 1656 بالنسبة للثاني، وهو ما يبرز الاستمرارية التي طبعت علاقة أولاد زاوية تامصلوحت بالأرض ومياهها تدبيرا وتنظيما وتطويرا بما ينسجم مع رسالة زاويتهم المباركة، وينتشر أبناء وأحفاد عبد الله بن حسين في منطقة حوز مراكش عبر الأضرحة التي أقيمت على قبورهم؛ فمولاي الوافي أخ مولاي إبراهيم دفن وأقيمت عليه قبة بقرية دار العين في مدخل تامصلوحت، أما مولاي أحمد بن عبد الله بن حسين والد إبراهيم والوافي فدفن بأقوريش قرب تامصلوحت، وهناك ابن مولاي الوافي الذي دفن بالعوينة قرب دار العين…

      وبعد فالهدف من هذه المقالة التركيبة هو إبراز منطق الاستمرارية الذي طبع رسالة الزاوية الأمغارية، وكيف أن التصوف في بعده الكوني الإنساني يعود لا محالة بالنفع على البلاد والعباد، فكم هو رائع أن يجتمع “الجمع والفرق” في مسلك وجودي واحد تدل عليه الكلمة الطيبة والفعل الطيب في الأرض، ونفع الناس كما تجسد فعليا عبر عبد الله بن حسين وأسرة آل أمغار على مدى تاريخها العريق.

      يقول ابن عسكر: “وكانت بيني وبين الشيخ مودة راسخة، ومحبة شامخة، ورأيت له بركات، واستفدت منه دعوات، والحمد لله. وكان الشيخ رحمه الله أصابه ارتعاش، وكان يعرج برجله اليمنى..”.

      ومن الأخبار الطريفة التي يرويها ابن عسكر أن سيدي عبد الله بن حسين الأمغاري “تغير على أولاده مدة وحلف ليرحلن من تامصلوحت، وكان بدائر زاويته حمام كثير إذا طار كأنه قطيعة سحاب، فلما خرج الشيخ رحلا إلى وادي نفيس ليبر يمينه ارتحل الحمام فوق رأسه ولم يبق حمام في تامصلوحت فلما رأى أهل القرية ذلك حملوا نساءهم والتحقوا بالشيخ وقالوا: والله لا رجعنا إلى ديارنا إلا إذا رجعت معنا، فما عذرنا وفي هذا الطير معتبر، فرجع معهم ورجع الطير”.

      أما حالة تامصلوحت اليوم فلا علاقة لها بما أراد مؤسس زاويتها عبد الله بن حسين أن تكون؛ نقرأ لمولود اجراوي في مقال في جريد “التجديد” (11-6-2009) قوله: “تامصلوحت نموذج المدينة المغربية القديمة، التي كانت يوما ما مزدهرة عمرانيا واقتصاديا وثقافيا، تجتذبك مساكنها القديمة ذات الهندسة الرائعة بالرغم من بساطتها، وأزقتها الضيقة التي تصل جميع أحياء المدينة كشبكة عنكبوتية، ومحلاتها التجارية (السويقة) التي طواها النسيان، ومساجدها الشامخة التي تخرج منها عدد من العلماء والفقهاء والقراء. هذه الصورة الجميلة التي كانت عليها تامصلوحت ذات يوم، يلطخها مشهد مجاري الصرف الصحي المنسابة في كل زقاق وساحة وممر: فكل مسكن وكل مؤسسة وكل حمامة تلقي بفضلاتها السائلة في وجه المارة”؛ فعوض شق السواقي، واستصلاح الأراضي وبناء القناطر والطرق وحفر الآبار ترى اليوم علامات الفقر والبؤس بادية على الرغم من غنى المنطقة الطبيعي ومواردها المتعددة، إلا أن التدبير المحلي لهذه البلدة المباركة لا يستحضر البتة همة مؤسسيها ودأبهم اللا متناه لأجل البناء والعمارة ومحاربة البداوة، فلا علاقة اليوم لمن “يدبر” شأن تامصلوحت بهمة عبد الله بن حسين وأبنائه وتلاميذه، والأمر لله..

      توفي سيدي عبد الله بن حسين سنة 976هـ بزاويته بتامصلوحت وبها دفن، رحمه الله وجازاه عن المغرب خيرا، والله الموفق للخير والمعين عليه…

التعليقات

  1. ابو محمد الأمغاري

    صفحة للتعريف بالشرفاء الأمغاريين و فيها مقتطفات اصلية و مخطوطة من بهجة الناظرين https://www.facebook.com/AlshrfaAlamgharywn

  2. عمر كوكو

    الصورة لضريح يسمى مولاي عبد الكريم ويقابله مبنى بداخله ثلاثة قبور ،وبجوارهم قبر أمرأة تسمى للا خديجة بنت إسماعيل ولا نعرف عليهم أي شيء,
    أما صورة القلعة فنلاحظ ثقوبا كثيرة على أسوارها وهناك الحمام الذي تكلمت كان يعشش.وكانت لاتزال آسراب الحمام تأتي إلى هذه الاسوار الى غاية التمانينات ثم بدأت تختفي بسبب القنص وقلة الكلاء بالجوار

  3. مبارك بن حسين

    شكرا علي المعلومات القيمة الوردة في الموضوع

  4. bilal

    merci boucoups

أرسل تعليق