Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

روح السنة

      قال الله تقدست أسماؤه: “وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ” [سورة اَل عمران، جزء من الآية: 103] وقال جل شأنه: “وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ” [سورة اَل عمران، الآية: 105] وقال: “إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ اِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ” [سورة الاَنعام، الآية: 159].

      لا تتسق أمور العمران، ولا تستتب أسباب الارتقاء، ولا تسود روح المدنية، ولا نرفع عن أعناقنا نير العبودية والتبعية إلا باتفاق الكلمة، واجتماع الأفئدة، وترادف القلوب، واتحاد العزائم على حفظ عرى الجماعة، واحترام نواميس الأمة.

      وإن عظم الأمر بالتوحيد والجماعة والاتفاق والائتلاف في شرعنا الأقدس أبين من أن يبين، وقد سمعتم قول الله جل وعلا: “إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ اِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ” [سورة الاَنعام، الآية: 159]،  وروى الإمام مسلم في صحيحه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المسلمين خير؟ قال: “من سلم المسلمون من لسانه ويده”، قال النووي في شرحه: “فيه جمل من العلم؛ ففيه الحث على الكف عما يؤذي المسلمين بقول أو فعل، بمباشرة أو سبب، وفيه الحث على الإمساك عن احتقارهم، وفيه الحث على تألف قلوب المسلمين واجتماع كلمتهم، واستجلاب ما يحصل ذلك”.. وقال القاضي عياض: “والألفة إحدى فرائض الدين، وأركان الشريعة، ونظام شمل الإسلام”.

      ما أسمى هذه الكلمة التي قررها هذا الإمام؛ فإنها من أجمع وأعظم فقه الإسلام، وفقه السنة. إذ قد يتوهم بعض الناس أن الدعاء للسنة والانتصار لها أن يحمل غيره على هذا الفرع أو ذاك من فروع الدين، فيؤدي ذلك إلى البحث والتنقير عما يفرق الأمة ولا يجمعها، ويمزقها ولا يوحدها، فيجعلون نظرهم واجتهادهم بمركز الصدارة والجدارة، ويرون أنفسهم أهل الحق في كل شيء، ويرون غيرهم فيما لا يوافقونهم عليه ليسوا على شيء، فيبدعون ويضللون ويخرجون من الملة كثيرا من مخالفيهم… إنها العصبية التي تنمو وتتطور وتتعمق أخاديدها، فتسيطر على الشخص، وتتملك عليه حواسه حتى ينسى معها المعاني المشتركة، والصعيد الجامع الذي يلتقي عليه المسلمون، ويفقد صاحبه الإبصار إلا المواطن التي تختلف فيها وجهات النظر والاجتهاد، وتغيب عنه قواطع أخوة الإسلام؛ فتضطرب رؤيته، وتزل قدمه، ويسقط في هاوية تكفير المسلمين… وأمر التكفير أمر عظيم خطير في الدين، لا يخوض فيه ولا يبتلى به إلا مخذول خاسر خسر الدنيا والآخرة.

      ألا إن روح السنة وقوامها الغيرة على جماعة المسلمين، والاعتصام بعروتها الوثقى التي لا تنفصم، ومقتضى هذا الاعتصام المحافظة على السنن والنواميس التي تستمد منها الأمة التوحد والاجتماع، وتنأى بها عن التشتت والافتراق؛ وهذا من أعظم الفقه، ومن آكد المعاني الكلية التي تقوم عليها أصول الدين وقواعد الشريعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: “يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة؛ فإنهما حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة”، وقال في الحديث الصحيح: “مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ”.

      والمقصود هنا المبالغة في الاحتراز والدفاع عن وحدة جماعة المسلمين، وأن المكلفين مأمورون من جهة الشريعة بالحفاظ على الألفة والاجتماع والموالاة، وأن مناط الولاء ومداره على الإيمان والإسلام، لا على غيره من الأسماء والشعارات؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: “من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة اللَّهِ ورسوله، فلا تخفروا اللَّهِ في ذمته”، يعني فلا تنقضوا عهد الله وعهد رسوله… جمع الله شملنا، وجبر كسرنا، ولم شعثنا، ووحد كلمتنا، وأصلح أحوالنا، ووقانا شر الفرقة والخلاف.

وإلى لقاء قريب والسلام.

أرسل تعليق