Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

رحلة المغاربة في طلب الحديث

      قلَّ أن ينفك طلب العلم عموما عن الرحلة إلى أهله، وفي قصة موسى مع الخضر في سورة الكهف ما يدل لهذا المعنى، وإذا كانت الرحلة لطلب العلم عامة من أعظم وسائل تحصيله، فإنها في علم الحديث ذات محل رفيع في هذا الباب، إذ إن الاستكثار من الشيوخ، ولقاء الكبار منهم، وطلب العالي من الأسانيد من آكد ما يعتني به علماء الحديث، ويتفاوتون في الشفوف في الفن – في الغالب – بقدر تفاوتهم في هذه الأمور.

      واهتبال المحدثين بالرحلة قديما وحديثا معلوم معروف، وخصصوا لآدابها أبوابا في كتب المصطلح[1]، كما أفردها بعضهم بالتأليف كالخطيب البغدادي في كتابه: “الرحلة في طلب الحديث”.

      وما زالت كتب التراجم تجعل رحلة المترجم في طلب الحديث، والأقطار التي دخلها لأجل هذا الغرض من أهم عناصر ترجمته، كما تجعل من هام عناصرها أيضا كونه مَرْحولا إليه. وكثر في تراجم المحدثين وصف كثير من أعيانهم بكونه “رُحْلة”، أي كان يُرْحل إليه كثيرا.

      وقد عُرف كثير من أئمة المغرب بواسع الرحلة مع طولها فأدركوا كبار المشايخ، وعالي الأسانيد، ورووا من كتب السنة ما لا يحصى كثرة، وكانت رحلتهم في طلب العلم إلى وِجهتين:

      أولاهما: هذه الأمصار الكائنة  بالجهة المغربية، فكانوا يطوفون مدن المغرب والأندلس، التي كانت من الأمصار ذوات العلم والآثار.

      والوجهة الثانية: البلاد المشرقية.

      وسأسوق نماذج من هؤلاء تدل على ما وراءها، وأن الرحلة كانت شأن عامة أهل العلم بهذه الجهة. بادئا بأصحاب الرحلة المشرقية لجلالة الإمام الحافظ أبي بكر بن العربي.

      فأولهم الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي المعافري الذي كانت له مع أبيه رحلة مشرقية واسعة، فدخل من البلاد المشرقية: مصر ودمشق وبغداد ومكة وعاد إلى الأندلس قأدخل علما شريفا وإسنادا منيفا.[2]

      وثانيهم: الإمام العلامة الحافظ أبو الخطاب عمر بن حسن، المعروف بابن دحية الكلبي، كانت له أيضا رحلة مشرقية واسعة، فدخل أصبهان والعراق ونيسابور ومصر وواسط وإِرْبل.[3]

      وثالثهم: الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمان التجيبي رحل وحج وأطال الغيبة فأكثر عن السلفي كما قال الذهبي،[4] والسلفي كان بالإسكندربة. آب التجيبي بعلم وافر، وحديث غزير، ومشيخة كثيرة ضمنهم معجمه في مجلد، وكان قبلة الطلبة ورحلة المحدثين.

     وممن كانت له الرحلة المغربية الواسعة: الحافظ الإمام محدث الأندلس أبو محمد عبد الله بن سليمان، المعروف بابن حَوط الله، كان كثير الأسفار، فدخل بلسنية، ومرسية، ومالقة، وغرناطة، وإشبيلية، وقرطبة، وسبتة ومراكش.[5]

     تلك نماذج سقتها لبيان عظيم عناية أئمة المغرب والأندلس في طلب الرحلة شرقا وغربا، حتى وصل واصلون منهم إلى أصبهان، وبينها وبين الأندلس مسافة في غاية الاتساع، حتى غدت مضرب المثل في البعد بين البلدين.

     تلك نفوس شريفة، وهمم عالية، وأولئك رجال كالجبال، ولنا رجوع بإذن الله إلى هذا الموضوع فيما يستقبل من حلقات هذه النافذة.

————————–

  1. انظر ـ على سبيل المثال ـ معرفة أنواع علم الحديث ص145- 146، الكافي في علوم الحديث للتبريزي ص656، شرح التقريب للسخاوي ص394- 395، تدريب الراوي 2/142_ 144.

  2. تذكرة الحفاظ 4/1295- 1296.

  3. تذكرة الحفاظ 4/1421- 1422.

  4. تذكرة الحفاظ 4/1394- 1395.

  5. تذكرة الحفاظ 4/1397- 1398.

التعليقات

  1. أحمد ديدي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

    الكلمة الخيرة الصادرة من قلب مفعم بالخير إما أن تكون مكتوبة أو منطوقة أو مرئية، في فعل كريم تعبر عنه، لها أثرها الخير وأهميتها العلمية والأدبية والاجتماعية وإصلاحها للفرد والمجتمع، والكلمة الخيرة الهادفة دائما تكون صادقة وصادرة من قلوب مطهرة لا تشوبها شائبة، والمؤمنون والمؤمنات حديثهم باسم الإسلام الذي أشرق على البشرية ليعلمها الأخلاق الكريمة، والتعامل الكريم والقول الكريم…
    والأستاذ الفاضل الدكتور السيد محمد السرار الباحث في الشريعة الإسلامية من ضمن هؤلاء الخيرين، يظهر ذلك جليا في محاضراته القيمة، وأحاديثه الطيبة النيرة على الفضائيات المرئية،
    وهو واحد من ضمن أولئك العلماء الأعلام الذين قال فيهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: [إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة].
    لذلك فهو وفقه الله تعالى لاختيار الكلام الذي يرضي الله تعالى وهو دعوة للعلم والفهم والتدبر والسلوك الحسن ولا سيما في أحاديثه المتواصلة في عموده علم الحديث في المغرب، واخص بالذكر موضوعه الشيق "رحلة المغاربة في طلب الحديث" الذي إن دل على شيء فإنما يدل على خبرته واختياره للكلمات الطيبة الصادقة التي تعد ثمرة لمجهوداته الطيبة لإثراء الفكر الإسلامي بصفة عامة والفكر المغربي خاصة مما يجعله محبوبا في بيئته وسببا للترقي في مجال عمله.

    لقد طوف بنا بحديثه القيم عن رجالات العلم والحديث من المغاربة الذين كانوا يشدون الرحال إلى البلاد النائية أمثال عبد الله بن عبد العظيم بن سعيد الجياني الأندلسي ويحيى بن شراحيل البلنسي شارح توجيه حديث الموطأ كما هو في ترتيب المدارك للقاضي عياض والعلامة أبي علي عمر بن علي العثماني الورياكلي صاحب الممهد الكبير لمعاني السنن والأخبار وما تضمنه موطأ مالك، سواء في عهد الشرفاء الأدارسة والمرابطين والموحدين الذين كانوا يشجعون العلماء وخاصة المحدثين على الرحلة والتنقل نحو المشرق لأخذ الأحاديث من مظانها ممن يمتازون بالرزانة وصدق القول والنبوغ وعلى رأس هؤلاء العلماء الأعلام المحدثين يحيى بن يحيى الليثي الذي أخذ السنة مباشرة من الإمام مالك في المدينة المنورة ونشرها بالأندلس والمغرب.
    والله الموفق

أرسل تعليق