Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

حالة المعرفة في حقل علوم القرآن نحو استئناف العمل البنائي والتجديدي لعلوم القرآن… (11)

وقد أسفرت هذه الاجتهادات المباركة تاريخيا عن مجموعة من المجالات المنهاجية، يمكن رصدها كما يأتي:

المجال الأول: العمل لتبين معالم المنهج الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام في مجال الاستمداد من الوحي “ما أنا عليه وأصحابي“. فقد انتبه العلماء المسلمون إلى سريان منهج كامن في القرآن المجيد يُبَيِّن وَفْقَه بعضه بعضا.. وهو ما أسموه تفسير القرآن بالقرآن، والذي شهد عبر العصور جهودا تبيّنه بيانية أسفرت عن مجموعة من المناهج كمقاربات التفسير الموضوعي المختلفة والتي لا تزال محتاجة إلى صقل تكملة.

كما انتبهو إلى كون السنة النبوية منبثقة من مشكاة القرآن الكريم ومبينة له وإلى أن فيها منهجا كامنا ساريا يتم بمقتضاه بيان مراد الله من عباده في كتابه الخاتم، استنباطا للأحكام وبثا للحكمة الموجِّهة “وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا” [الاَحزاب، 34]. “وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ” [النحل، 44]. وقد برزت في هذا الاتجاه مجموعة جهود تحت مسمى التفسير النبوي للقرآن، والتفسير بالمأثور مما يحتاج إلى نظر متجدد مصنّف ومدقّق.

المجال الثاني: حركات التدوين لمعارف الوحي وضبط مناهجها، إذ هي مصادر المفردات التي منها يمكن أن تصاغ المنهاجية. وقد بذل علماء المسلمين في هذا المجال جهودا قيمة مشكورة في مجال العناية بالقرآن المجيد والسنة النبوية حتى ظهرت إثر هذه العناية علوم فاقت الثمانين علما من علوم القرآن، وأربت على واحد وتسعين علما من علوم السنة. وهي علوم تحتاج اليوم إلى استيعاب وتصنيف وترتيب وتكميل.

المجال الثالث: العمل الدؤوب لضبط مناهج الاستنباط من الكتاب والسنة، ومناهج فقههما والعمل بهما، أو تفسيرهما وتأويلهما، أو قراءتهما وتلاوتهما، وضبط كليات ومقاصد وأصول وآليات ذلك.

وقد أسفرت هذه الجهود عن مجموعة من المعارف والعلوم في مجالات التفسير وعلم الفقه وأصوله وقواعده ومقاصده ورجالاته وطبقاتهم ومذاهبهم، غير أنه يلاحظ في العصور المتأخرة على وجه الخصوص، ابتعاد هذه المعارف عن النص المؤسس كتابا وسنة مما يحتاج إلى استدراك وضبط وتجديد.

المجال الرابع: الاجتهاد لضبط مصطلحات الكتاب والسنة وعلومهما.. وقد نتج عن ذلك مجموعة من العلوم والمعارف كعلم الكليات وعلم المفردات وعلم المصطلح وعلم المفاهيم، غير أنها علوم ومعارف تحتاج إلى ضبط وتتميم وتوسعة وتفعيل.

المجال الخامس: وهو المجال المنهاجي الذي لم يأخذ حظه الكافي من الجهود البحثية والاهتمام، ونقصد تحديدا، ضبط معالم الرؤية والتمثل الموجودين في الوحي للإنسان وللكون، وللحياة والأحياء، والحاضر والمستقبل، والفرد والجماعة، والذات والآخر، والأمن والخوف، واليسر والعسر، والأعراض والجواهر، والروح والمادة… وكذا ضبط معالم القيم والأخلاق ومراتبها كما يبسطها الوحي.

وهو مجال -وكما سلف- لا يزال يحتاج إلى عناية وتكملة في جوانب منه وإلى تتميم التأسيس في جوانب أخرى.

المجال السادس: المجال اللغوي اللساني، حيث بذل علماؤنا جهودا كبيرة في مضمار استبانة معالم خصائص عربية القرآن وبلاغته وإعجازه وإعرابه ومعانيه اللغوية وتناسبات جمله وفواصله.. وهي كلها مضامير تحتاج إلى مزيد من التصنيف والتدقيق والتوجيه..

يتبع في العدد المقبل..

أرسل تعليق