Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

جبال الأرض بين الثبات والحركة

إن كتاب الله العزيز هو أول كتاب تحدث عن طبقات الأرض حيث حدد عددها في سبع. قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الاَرْضِ مِثْلَهُنَّ” [الطلاق، 12]. وهو أول كتاب تحدث عن حركة الجبال ودورها في تثبيت الأرض التي نعيش عليها؛ إذ ورد فيه لفظ الجبال في آيات قرآنية كثيرة، وصفها الحق سبحانه وتعالى بالأوتاد في آية وبالرواسي في آيات أخريات، كما جاء وصفها بأنها تمر مر السحاب في آية أخرى.  فكيف جمع رب الأكوان بين حركة هذه الكتل الحجرية الضخمة وثبوتها؟ وما السر في تشبيه حركتها بحركة السحاب؟

تعتبر القشرة الأرضية أعلى وأرق الطبقات التي تكوِن الكوكب الأزرق، وهي تركِب مع  طبقة الوشاح الأعلى ما يسمى بالليثوسفير lithosphere أو الغلاف الصخري. تنص نظرية الألواح الأرضية على أن الغلاف الصخري تنتشر فيه شبكة هائلة من الصدوع التي تقسمه إلى عدد من الصفائح الطافية فوق طبقة ساخنة لدنة تسمى الوشاح الداخلي Mantle التي تساعد على انزلاق الألواح وتحركها.

الجبال أوتاد تثبت القشرة الأرضية

قال رب العزة واصفا الجبال: “ألم نجعل الاَرض مهادا والجبال أوتادا” [النبأ، 7-8]؛ تخبرنا هذه الآية العظيمة عن دورٍ خصه الخالق الباري بالجبال التي جعلها الله أوتادا؛ وهو تثبيت الأرض. لقد ثبت علميا سنة 1956 بأن الجبل له جذر يخترق طبقات الأرض، ويمتد تحت سطحها إلى أن يصل إلى طبقة الغطاء وهو يعادل أكثر من 10 أضعاف ارتفاع الجبل فوق سطح الأرض. قال علماء الجيولوجيا، للجبال جذور راسخة في الأرض كما يرسخ وتد الخيمة في الأرض. إن أعلى قمة في العالم هي قمة إفرست يبلغ ارتفاعها تسع كيلومترات، بينما جذورها تمتد إلى عمق 135  كم تحت الأرض.

لقد أكد القرآن هذا الدور الرئيسي للجبال في عدة آيات عندما وصفها الله عز وجل بالرواسي. قال مولانا في محكم كتابه: “خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الاَرض رواسي أن تميد بكم” [لقمان، 10]، وقوله تعالى: “وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا” [المرسلات، 27]، وقوله عز وجل: “والاَرض مددناها وألقينا فيها رواسي” [ الحجر، 19] وقوله تعالى: “والجبال أرساها” [النازعات، 32]. تعني كلمة “رواسي”؛ الجبال الرواسي وهي تؤكد الدور المهم الذي تلعبه الجبال لكي لا تميد الأرض ولا تضطرب بسكانها. إنها تشير إلى معنى في غاية الدقة؛ لأنها تترجم حالة الجبال وهي تطفوا في طبقة الآثنوسفير اللدنة التي تتميز بكثافة أعلى من كثافة الليثوسفر الصلبة. فلولا هذه البنية المتقنة للجبال التي تخترق القشرة الأرضية الطافية إلى طبقة الغطاء لانزلقت وتصدعت وتزلزلت القارات بفعل دوران الأرض حول نفسها من جهة ودورانها حول الشمس من جهة أخرى.

حركة الجبال شبيهة بحركة السحاب  

وردت آية في القرآن الكريم تتضمن تشبيها بليغا لحركة الجبال بحركة السحاب؛ قال الخالق الباري: “وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء اِنه خبير بما تفعلون” [النمل، 88]؛ تعتبر السحب كتلا من الغلاف الغازي للأرض محمولة في شكل قطع تحركها تيارات الرياح الناتجة عن الفارق في الضغط والكثافة بين مستويات جو الأرض الغازي، كما تعتبر الجبال كتلا من الغلاف الصخري للأرض محمولة على قطع متجاورات تحركها تيارات الحمل الحراري الناتجة عن فارق الضغط والكثافة بين مستويات باطن الأرض النارية. فكما أن السحاب لا يتحرك بذاته، بل بقوة دفع الرياح له، فكذلك الجبال تتحرك بحركة الألواح الأرضية حركة بطيئة لا يستطيع الإنسان إدراكها فيظنها جامدة ساكنة. قدر علماء الأرض معدل هذه الحركة بنحو 1-12 سم كل عام في ظاهرة تسمى “انزياح القارات”. فلولا القياسات العلمية الدقيقة، وتطور العلوم الأرضية وتواتر البحوث العلمية في هذا الصدد، لما اكتشف الإنسان هذه الحقيقة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام  منذ أربعة عشر قرن.

إننا نستحضر عِظم القدرة الإلهية كلما وقفنا نتأمل أحد الجبال الثابتة الشامخة، ولكن عندما نتذكر أن ما نراه ما هو إلا حوالي عشر حجمه الحقيقي، فأكثر من عشرة أضعافه مغروسة تحت سطح الأرض تقوم بتثبت القشرة التي نحيا عليها، ونتذكر أن الأرض وجبالها تتحرك دون أن نشعر بها؛ ندرك أن عقولنا أضعف من أن تستوعب العظمة الإلهية المنزهة والرحمة الربانية الخالدة والنعم الغزيرة اللامتناهية التي يجود الله بها على عباده، قال مولانا الحكيم: “ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز” [الحج، 74].

المراجع:

1.  مؤيد محمد صالح العابد. الظواهر الفيزيائية والجيولوجية في القرآن الكريم، الطبعة الأولى، الدار الإسلامية، لبنان، 1998 م.

2.  ماهر أحمد الصوفي، الموسوعة الكونية الكبرى، آيات الله في الجبال والصحارى والغابات وفي النبات والثمار والأزهار والألوان، المكتبة العصرية، بيروت، 2008 م.

3.  عبد الإله بن مصباح، الإعجاز العلمي في إخبار القرآن عن حركة الجبال، مجلة الإعجاز العلمي، ص 36-39، العدد 35، المحرم 1431 هـ.

أرسل تعليق