Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

تكدا بنت سعيد.. أم العلماء

إن التطور التدريجي والرقي التربوي والفكري لأي مجتمع من المجتمعات عبر التاريخ والعصور، في مختلف أبعاده الإصلاحية المنشودة رهين بقوة حضور المرأة إلى جانب الرجل، وتبلور دورها البارز في تَعلُّم وتَعليم العلوم الشرعية النَّافعة في محيطها الاجتماعي، قصد المساهمة في تربية المجتمعات على الأخلاق الفاضلة في شتى المجالات الأدبية والعلمية والفكرية؛ تلك التربية التي يسعى الجميع في هذه المنظومة الكونية إلى النهل من معينها التربوي المتكامل؛ والسيدة الجليلة تكدا بنت سعيد أنموذج مثالي يُقتدى به في صياغة هذه النهضة التربوية الفعالة؛ إذ نسلط عليها الضوء في هذا العدد من جريدة ميثاق الرابطة الغراء بغية تقريب مجموعة من المواقف والتحديات المثالية التي جعلتها قدوة يحتدى بها في درب هذا الإصلاح التربوي المنشود.

تكدا بنت سعيد.. أم العلماء

تضافرت أقوال عدة في ذكر سيرة ومناقب تكدا[1] بنت سعيد، ومن هذه الأقوال قول العلامة المختار السوسي: “تكدا بنت سعيد بنت سعيد بن الحسين بن سعيد بن علي بن بلقاسم بن عبد الله ابن سعيد[2]، وهي جدة علماء كثر من الغ ورزقت في نفسها حظوة تأتت لها مزايا ومفاخر تستحق بها الخلود في التاريخ..”[3] ويضيف رحمه الله أنها “كانت من البدويات القويات الرابطات الجأش اللاتي يؤدين واجبات ربهن ويقمن بما عليهن لأسرهن ذات همة نافذة وعزيمة مسنونة“[4]. لقد صدق قول الحكماء حينما قالوا بأن مستقبل الأبناء منبسط على يدي الأمهات فقد عرفت السيدة تكدا بتضحياتها الكبيرة في أداء واجباتها الدينية حق أداء، كما شُهد لها بالصلاح والعفاف وإكرام الضيوف خاصة الفقراء والمعوزين والعناية بهم، والتماس طرق الكسب العيش الحلال “وقد عرفت بهذه الهمة وحبب إليها أن تنقطع في ذلك المرتبع في كل فصل ربيع لتقوم على الغنم بنفسها وربما وصل غنمها في بعض السنين سبعمائة والرعاة ستة (..) ثم تقوم وحدها بكل ذلك حلبا ومخضا وطبخا للرعاة، وقد كانت تضم إليها في مرتبعها صغار أسرتها لتربيتهم..[5] وقد كان حفيدها العلامة المختار السوسي من بين من رغبت فيهم السيدة تكدا لتربيتهم..

كانت رحمها الله فقيرة مُسنة زاهدة في الدنيا، تكثر من ذكر الله في الرخاء الشدة، وإيمانها القوي جعلها تتمسك بالدين الإسلامي الحكيم وتتغلغل في بطون علومه الربانية الحكيمة، وتلتزم بتعاليمه النبيلة فقد شهد لها غير واحد من أهل عصرها بالصلاح، ودراسة مختلف العلوم الشرعية وبتها في الناس في مختلف المحافل “فهي لا تفارق الإرشاد لكل من لقيته وتوثر عنها مواعظ وحكم..[6]، فكانت تجمع الفقيرات وتعظهن وتعلمهن؛ لما لها من إلمام بأمور الدين، وتتصدق عليهن، كما عرفت باجتهادها في الصيام، وقيام الليل والتهجد لنيل مرضاة الله وجزيل ثوابه، حتى اشتهرت بإجابة الدعوة، وكان يلجأ إليها الناس يلتمسون منها الدعاء ” ..فلقد كانت رحمها الله في آخر عمرها تدور في كل الديار، وتقابل بالاحترامات لأن لها مع كل دار ممن تقصدهم نسبا ورحما فكانت الدعوات الصالحة تطلب منها وقد ظهر لها دعوات مستجابة كما حكيت عنها فراسات أو سمها كرامات..[7].

يحكي عنها صاحب المعسول وهو يخبرنا عن عمرها بقوله “فقد طال عمرها إلى مائة أيضا ..فشاهدت من أحفادها وأسباطها ما يناهز عشرات بل يناهز المأتين فقد تنبه لذلك ولدها الوالد رحمه الله فشرع يوما بحسب فروعها فكانوا إذ ذاك قبل 1328هـ أكثر من مائة وخمسين؛ ثم لم تمت حتى كانوا أكثر مما ذكرنا وقد رأتهم كلهم ورأوها وسمعت من العم إبراهيم أن حفظة القرآن من أحفادها نحو 70 رجلا، وأنا أحسبهم الآن أكثر من ذلك وأما العلماء فأكثر من عشرين بين علامة ماهر وأخر أدون منه..[8].

 اللهم ارحمها رحمة واسعة، وبوئها في أعلى عليين، وبدل سيئاتها حسنات إنك سميع مجيب.

—————————————————————

1. وهو بفتح التاء، وتسكين الكاف المعقودة، وفتح الدال الممدودة.

2. دفين تيدلي بايغشان.

3. المعسول للعلامة المختار السوسي، الجزء الثاني، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، 1961، ص: 54.

4. “نفسه الصفحة: 55.

5. نفسه الصفحة: : 55.

6. نفسه الصفحة:  57.

7. نفسه الصفحة: 57.

8.  نفسه الصفحة: 57.

أرسل تعليق