Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

تصريف الآيات والبصائر

      تُصرَّف الآيات والبصائر في القرآن المجيد وتُنقل من جهة إلى أخرى لتضيء زوايا مختلفة من القضايا التي تشير إليها، وتبرز جوانب متفرقة منها، حتى يستبين الحق ويتجلى لذوي القلوب والأبصار. ولذلك نجد القرآن وهو يقص القصص يعرض جانبا من القصة يلائم المقصد الذي من أجله ساقها، والسياق الذي فيه عرضها. فإذا انتقل إلى مقصد وسياق آخرين عرض من القصة نفسها ذكر جانبا أو جوانب أخرى منها تناسب القضية التي يريد بيانها وتجليتها. وقصة موسى في القرآن أحد الشواهد على ما نقول.

      قال برهان الدين البقاعي في نظم الدرر في معرض حديثه عن قوله تعالى: “ولقد صرفنا في هذا القرءان ليذكروا” [سورة الاِسراء، الآية:41] “أي طرقنا تطريقا عظيما بأنواع طرق البيان من العبر والحكم والأمثال والأحكام والحجج والأعلام في قوالب الوعد والوعيد، والأمر والنهي، والمحكم والمتشابه… ونوعناه من جهة إلى جهة، ومن مثال إلى مثال. ويقول سيد قطب رحمه الله في كتابه “مشاهد القيامة في القرآن” منبها إلى هذه الحقيقة: “والعجيب حقاً أنَّ تعدد هذه المشاهد –وأساسها واحد– لم ينشئ نوعا من التكرار، فكل مشهد يختلف عن سابقه في كلياته أو جزئياته، وذلك لون من الإعجاز شبيه بالإعجاز في خلق الملايين من الناس، كلهم ناس، ولكن لكل سحنة وسمة في هذا المتحف الإلهي العجيب”.

      إن القرآن المجيد كيان حي حيوي نابض، ومعمار جميل منير بارق، يهدي للتي هي أقوم، ولكن بمنهجه هو، الذي على البشر أن يدركوه من خلال تتبعهم لمواقع النزول: “وقرءاناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً” [سورة الاِسراء، الآية: 106]، فعَيْنُ تَنَزُّله بيان لمنهجه في الهداية. إن جبريل عليه السلام حين كان يعمد –بأمر الله– إلى القرآن الذي أنزل جملة واحدة إلى بيت العزة، ويأتي بالآيات الهادية للجماعة المسلمة في شأن ما تواجهه من أحداث وإشكالات، كان يضعها بأمر الله وضع الهناء مواطن النقب، مما يحرر فاعليتها الهادية، فتنحل الإشكالات وترفع العقابيل، كل ذلك على مرأى ومشهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينـزل القرآن أول ما ينـزل على قلبه. وكذا على مرأى ومشهد من صحابته رضي الله عنهم، وذاك منشأ الحكمة والفقه فيهم. فهذا أبو بكر رضي الله عنه إذ قبس أنوار نهج التنـزيل، قام خطيباً في الأمة يوم إغماض رسول الله صلى الله عليه وسلم منتحياً جانباً من عمر رضي الله عنه بعد أن حاول إسكاته فلم يسكت، وبعد حمد الله والثناء عليه قال قوله الخالد: ” أما بعد، فمن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”، ثم قرأ قوله تعالى: “وما محمد اِلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين” [سورة اَل عمران، الآية: 144]. فقال عمر رضي الله عنه: “أهي آية من كتاب الله؟” قال أبو بكر رضي الله عنه: “نعم!” فقال عمر رضي الله عنه: “والذي نفسي بيده كأنني لم أسمعها قط!”.

      والله الهادي إلى سواء السبيل

الأمين العام

                                                                                                               للرابطة المحمدية للعلماء

أرسل تعليق