Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

بناء الكيان الإيماني

تقدم فيما سبق أن الارتقاء بالنفس الإنسانية يكون باتخاذ ثلاثة أسباب، ومُلازمتها، والمواظبة عليها، لكن هذه الأسباب لا تؤتي أكلها، ولا تُنتج ثمرتَها إلاّ بضمان شرطٍ مهمّ جدّاً وهو بناء الكيان الإيماني في قلوبنا، وقلوب أبناء هذه الأمّة.

والبناء الإيماني لابدّ له من قاعدة فكرية تؤطره، وقيم وجدانية تحتضنه، وآثار عملية تُصدّقه، بمعنى أنّ الذي اختل ميزان تفكيره، واضطربت القيم في وِجدانه، وتناقضت المواقف في سلوكه لا يُعدّ مؤمنا حقّاً.

وبناء على ما سبق نستأنف الحديث انطلاقا من قول الله تباركت أسماؤه: “إنما يومن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا، وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون”.

يبدأ الإيمان بتوجيه جزء من مشاعر العبد له سبحانه: “ومن يومن بالله يهد قلبه”، وهذا الجزء يحتاج إلى تعهد ومراقبة وتنمية مستمرة حتى تتخلص المشاعر من أسر الهوى والظلمة إلى حظيرة الإيمان والنور، وفي هذا يقول علي رضي الله عنه: إن الإيمان يبدأ لمظة بيضاء في القلب، فكلما ازداد الإيمان ازداد ذلك البياض، فإذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله، وإن النفاق يبدأ لمظة سوداء في القلب، فكلما ازداد النفاق ازداد ذلك السواد، فإذا استكمل النفاق اسود القلب كله، وايم الله، لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود.

–    والسؤال: كيف السبيل إلى تنمية الإيمان في القلب استكماله؟
الجواب أن السر الأعظم لزيادة الإيمان هو العمل الصالح، ولذلك ورد في القرآن ذكر الإيمان مقرونا بالعمل الصالح في ستة وسبعين موضعا، جملة منها بصيغة (الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، وما ورد فيه (الذين آمنوا وقالوا الصالحات)، مما يدل على أن الإيمان يكون سلبيا غير مؤثر إذا لم يكن له مصداقية من أعمال، قال الحسن البصري: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال، من قال حسنا وعمل غير صالح رده الله على قوله، ومن قال حسنا وعمل صالحا رفعه عمله، اقرأوا إن شئتم قوله تعالى:( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه).

إذن لا بد من المبادرة إلى العمل الصالح حتى يزداد الإيمان وينمو. ولا بد أن نأخذ في الاعتبار أن الأعمال التي تزيد الإيمان هي التي يتجاوب معها القلب وينفعل بها، فالدعاء على سبيل المثال عبادة عظيمة بل هو مخ العبادة، ولكن ليكون مؤديا إلى زيادة الإيمان لا بد من حضور القلب معه كما قال جل وعلا: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية)، وقال: (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا، ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا، ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا). لاحظوا كيف يثني القرآن هنا على انفعالهم بالطاعة، عندما سمعوا القرآن تحركت قلوبهم به، فسجدوا وسبحوا وبكوا، وازدادوا بذلك خشوعا. فالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن والصيام والصدقة والحج والعمرة.. كل هذه العبادات لا تزيد الإيمان إلا إذا تحرك القلب معها، وتجاوب مع أسرارها وأنوارها، فإذا تم ذلك ظهرت آثار الإيمان اليانعة في الوعي والسلوك.

“يتبع”

التعليقات

  1. أبو زياد مجيد

    سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته
    شكر مسترسل يفيض بالدعاء لأستاذنا الفاضل الذي ما زال يتابع لبناته المرصوصة والمتشبعة بروح الشريعة ومقاصدها في الرقي بالنفس البشرية وتهذيبها وترويضها والعمل على إصلاحها، وحري بهذا الموضوع أن يساهم في جعل الأمة المحمدية في طليعة الأمم لو اعتقد الناس جميعهم اعتقادا راسخا بصلاح هذا الدين لكل زمان ومكان وعظوا عليه بالنواجذ إيمانا منهم بأن البقاء لله وحده، فالإيمان أيها الإخوة الأفاضل درجات ومراقي والمتصف به -كما ورد في مقال الأستاذ الجليل – يستدعي التصديق عليه بالعمل شرط صلاحه ونفعيته سواء لذاته أو لمجتمعه..
    وبما أن الأستاذ الفاضل تطرق – على ما يبدو- للدرجات العلا للإيمان فأرجو أن أعرض درجة في مراتبه الدنيا كما ورد على لسان الحبيب المصطفى: (الإيمان تسع وتسعون درجة أدناها إماطة الأذى عن الطريق) أو كما قال (ص) فتصوروا كيف عرض الرسول (ص) لتقديم الإيمان لأمته فجل لمن يعمل باعتقاد راسخ بأن مجرد إماطة حجر أو زجاج أو أي أذى عن الطريق؛ فإنه تقلد رتبة من الإيمان مأجور عليها حسب نية الفعل، وفي نفس الوقت يعطي لنفسه موقعا ضمن مجتمعه فقد يكون قدوة لابنه أو صديقه وهذا هو المقصد الشرعي للإيمان والأثر الإنساني الذي يسم به الايان المتصف، فأرجو رغم هذا الإطناب أن أتقدم بالشكر الجزيل لأستاذنا الفاضل وجريدة الميثاق لفسح المجال بمشاركاتنا المتواضعة..

أرسل تعليق