Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

القيم والقيم المضادة إلى أين؟

      إن القيم الإنسانية مرتبطة بالإنسان أفرادا ومجتمعات، وهي التي تمسك بتوازنه، وتحفظ نموه واستقراره، وبسقوطها يسقط المجتمع الإنساني وينهار؛ لأن حركته فقدت التوازن، وفقدت جهازها العصبي؛ لأن الوظيفة التي تؤديها منظومة القيم للمجتمع، أشبه بوظيفة الجهاز العصبي للإنسان، الذي ينظم حركة كافة أجزاء الجسم، لتعمل معا في تناغم، وهو الذي يحدد طبيعة ردود أفعالها تجاه المثيرات الخارجية والداخلية، وأخطر ما يمكن أن يصيب المرء هو إصابته في الجهاز العصبي[1] ومن ثم يمكن القول بأن أي اختلال في أي مجتمع وعلى أي مستوى، يكون مرجعه إلى اختلال في منظومة القيم المجتمعية، لما قد تتعرض له تلك القيم من تآكل وهدم، سواء على مستواها الذهني أو المادي، ذلك لأن كل قيمة لها وجودان: أحدهما ذهني /تصوري، والآخر مادي / واقعي، فهي ليست منفصلة عن الواقع، وإنما هي ماثلة في الأذهان ظاهرة في الأعيان، وذلك الهدم لقيم المجتمع الأصيلة وبناء قيم بديلة على أنقاضها، ليس لها قرار في ثقافة المجتمع، وليس لها سند قوي للشرعية، سيفضي – لا محالة – إلى أزمة شديدة داخل ذلك المجتمع، بسبب التدافع والصراع القيمي بين مكونات المجتمع، كل ينظر إلى الآخر من منظوره الفكري فيصبح هناك تياران بارزان: تيار اجتماعي محافظ، متمسك بقيمه الثقافية وإن كان لا يمارسها كلها، وآخر رافض لثبات القيم، يعزز موقفه ذاك بما يلاحظه في الواقع من التعارض بين الأقوال والممارسة، وهذا يعني تواجد نوعين من القيم في آن واحد: قيم تقليدية سائدة يتمسك بها المجتمع الحالي، وقيم أخرى مغايرة يأخذ بها المجتمع المستقبلي[2].

      ولعل من أسباب بروز ظاهرة القيم المضادة في مجتمعاتنا المعاصرة ما يلي:

      1.  أزمة القيم ذاتها، بحيث لا أحد يستطيع في العصر الحالي أن يخفي هذه المعضلة والتي أصبح الجميع وفي كافة مجالات الحياة يستغيث ويرفع شعار “تخليق الحياة العامة” من أجل التدخل الفوري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حيث غدت القيم الإنسانية والمثل العليا محل استهتار وازدراء، وفي المقابل هناك إفساح المجال واسعا أمام القيم المستهجنة اجتماعيا وعرفا وشرعا.

      2.  سنة التدافع الذي جعله الله تعالى قانونا ماضيا لا يتخلف في المجالات الطبيعية والإنسانية على السواء، تطبيقا لقوله تعالى: “ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الاَرض” [سورة البقرة، الآية: 251].

      3.  تغول العولمة، وزحفها الحتمي على العالم كله، وذلك برفع الحواجز بجميع أشكالها الاقتصادية والسياسية والثقافية ولم تنج منها القيم المميزة للشعوب والأمم، لتزرع ثقافات جديدة، عمت جميع مجالات الحياة، وجميع الطبقات، حول طريقة الأكل  أو اللباس أو التصرف، خاصة في أوساط الأجيال الصاعدة، وكأننا بها تتمثل الحكمة العربية القائلة: “ربوا أولادكم على غير تربيتكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم”،  والطابع الذي يميز تلك الثقافة هو التمرد على الثقافات الأصلية والقيم المجتمعية التي تعاقبت عليها أجيال وأجيال.

      لكن، مهما احتدم الصراع بين الأجيال حول القيم والقيم المضادة، نتيجة التفاعل اليومي داخل المجتمع؛ فإن المنطق والعدل يقضيان -حفاظا على وحدة الصف– الاجتماع حول القيم المشتركة بين الناس على تعدد اختلافهم في وجهات النظر، ومنها المساواة والعدل والإخاء والإحسان والتسامح وقبول الاختلاف في الرأي وغيرها مما يخدم مصالح الإنسانية، ومما يندرج تحت الحق الذي لا يصار إلى ضده اتقاء لكل ما قد ينتج عنه من فساد في الأرض، واختلال لدورة القيم، قال عز من قائل: “ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والاَرض ومن فيهن” [سورة المومنون، الآية: 71].

      وفي ثقافتنا، ما يوجه إلى الاجتماع حول المشترك من القيم الإنسانية التي سبقت الإشارة إليها لكن وفق الأسس والمبادئ الآتية:

      •  مبدأ المساواة المطلقة التي قررها الإسلام بين الناس، وردهم إلى أصل واحد؛ لأن ربهم وأباهم واحد، قال تعالى: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” [سورة الحجرات، الآية: 13]، يدعم هذا كون الرسول صلى الله عليه وسلم بعث للعالمين قال تعالى: “قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا” [سورة الاَعراف، الآية: 158].

      •  مبدأ أن النزعة إلى الخير والإيمان والحق فطرة لكل الناس قال تعالى: “فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون” [سورة الروم، الآية: 30].

      •  مبدأ الحوار وقبول الاختلاف ومراعاة آدابه وقواعد تدبيره، مهما كانت المسافة بين الطرفين أو الأطراف، وما دام الاختلاف محصورا في دائرة تبادل وجهات النظر والذي لا يعدو أن يكون أمرا فطريا وعاما في كل الناس، على ألا يفسد الاختلاف للود قضية، وهكذا نتجاوز الأزمات التي تعصف بمجتمعاتنا بسب الانجذاب والاغترار ببريق القيم الوافدة والتي ليست بأحسن حالا من قيمنا المستمدة من ثقافتنا، والضامنة لوحدتنا، والحافظة لهويتنا.

—————————

  1.  عبد الله بن ناصر، مجلة العصر، التغير الاجتماعي وصراع القيم، ص: 16.

  2.  ضياء الدين زاهر، القيم والمستقبل… دعوة للتأمل، مستقبل التربية العربية، العدد الثاني، القاهرة، ص: 9.

التعليقات

  1. مريم

    أشكر الأستاذ الكريم على هذا الموضوع القيم، ذلك أن المتأمل حقيقة في كل ما تعانيه الأمة الإسلامية خصوصا والإنسانية عموما من اختلالات في شتى الأصعدة والمجالات، إنما مرده مسألة القيم والحس الأخلاقي. وقديما قال الشاعر:
    إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

أرسل تعليق