Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الشباب حارس الحلم الإنساني… (1)

لو قارنا بين الماضي ببساطته والحاضر ببذخه، لوجدنا أن الإنسان المعاصر حقق قسطا كبيرا من الرخاء وانتقل منه إلى الرفاهية والترف، حيث كان أجداده محرومين من ذلك، ومع ذلك فأمراض الحاضر وعلله الاجتماعية التي تتجلى في خبث النفوس ونظرات السوء، والآن وقدحان أن أتحدث أن قوة اليوم علم وفهم، وسقيا من كل روافد المعرفة، ومشكلتنا اليوم قائمة على تخلف وعلى شقاق، وقومنا اليوم ثلاثة: عاقل، وأحمق وفاجر، العاقل حلاه الدين بالعلم والدين، والرأي الحسن وأما الأحمق فمتكلم بعجالة وعند الحوار وأهل ساب شاتم، وأما الفاجر فخائن غادر لا يرعى لمحدثه حرمة وللأسرار فاش وذائع، والناس منهم المتواضع والمتكبر الذي لا يعرف كيف يعاشر غيره من البشر ويداريهم.

وكلما تخلص الإنسان من اسر الأوهام والخرافات، ثاب إلى الإيمان بروح كبيرة يستريح إليه ويلقي مراسيه على شاطئه، والإنسان العاقل هو الذي يعبر عن أساليب الحياة ليكتشف عواطف الناس، يناول الجوعى بيمناه ويوزع الخير بيسراه، اجتمعت له مواهب الأسخياء وصفات الأخلاقيين العالية، جعلت منه شخصية مغناطيسية تجذب النفوس، وحاز من الفضائل سلامة القلب وشدة العزم، وشجاعة الإقدام، وكثرة البذل، وقوة الاعتماد على الله تعالى.

ومعلوم أن الرجال الممتازين هم أفذاذ من النوع الإنساني الذي لا سبيل إلى تعريفه، يعيش أحدهم سائحا جوابا يخالط رجال العلم والدين ويجعل من المنبوذين أحرارا عظاما، يزرع فيهم من حرية فكره، ونبالة طبعه وإخلاص قلبه، يلهم الشباب قبسا من روحه النافذ، يبث فيهم شيئا من عزمه النادر، وهو في الظلمة الحالكة ينبثق بتعاليم الإسلام كبريق يأخذ بالأبصار، وصفوة القول: أن الحياة لا تخلو من جاهل وعالم وعاقل، فالجاهل لا يتحرك لطلب مجد ولا للتخلص من ذل، ولا يرجى منه للأمة فائدة، بل هو آلة صماء، ومجمل القول في كل الأمور أن عملية تغيير العقول تحتاج إلى جهد وزمن، لأن الصعوبات موجودة، ويمكن تجاوزها والتغلب عليها بالصبر والخبرة والبذل بسخاء ودقة ووعي، وعقل ورأي ومشورة لذلك قال بعض الحكماء: “ينبغي للعاقل أن يجمع إلى عقله عقل العقلاء وإلى رأيه رأي الحكماء، فإن الرأي الفذ ربما زل وإن العقل الفرد ربما ضل“.

الشباب حارس الحلم الإنساني... (1)

ويوم تنصب هم الشباب وعزائمهم في تيار إنساني واحد، تيار الخير وفي عمل جماعي مشترك فعال، آنئذ تشعر الدنيا بأن وراء كل عمل عظيم رجال، وفي إيمان الرجال الجادين الأوفياء تنمحي من سماء البشرية ظروف الشدة والمحن، ويوم يتم الاندماج يتحقق الهدف الإنساني على وجه الأرض بالتمام والكمال، ويوم نتدبر بعقولنا آيات الله في كتابه المشهود، فسوف ندرك نبل الغايات التي تكمن في التضامن والتعاون، في قفزة نوعية وخطوة إيجابية يلتقي فيها الإيمان الخالص مع العمل الجاد، والتخطيط العلمي والمقدرة على استثارة كوامن الخير في نفوس الناس.

ويوم يعي شبابنا واجبهم يعيدون بناء الفكر الإنساني بناء جديدا على قواعد جديدة؛ لأن من ملامح الإصلاح البدء بالحلول الجزئية، حتى نصل إلى التغيير الشامل الذي نسعى إليه، وبالتصور السليم نكتشف نقاط الأضواء والظلال، وجوانب السلب والإيجاب والنجاح والإخفاق، وكلما اكتشف الشباب سر الحياة أعياده تمتد، وأعظم كشف هو شق الحقيقة في خضم الحياة المادية، وأعظم كرامة التوفيق للماشين على الجادة في بحور ومحيطات المغريات، ومشاهدة الأنوار تهدي أصحابها إلى نور الحق وأتباعه في الدياجير الحالكة، التي تطبق على كثير من الرؤوس، وإن أكبر فوز يرتاح إلى أصفيائه المؤمنون كلمة ربنا الله، يومها تمتلئ القلوب قناعة وهم يشاهدون أولئك الذين امتصت الحياة اللاهية عطر السعادة من دنياهم.

وإذا تواصلت القلوب بالحق سبحانه ترى الناس على أوفى وأرقى ما يكون الثبات، ذلك لأن جلاء البصيرة يحول الحياة إلى نعيم من قدرة رب خالق لا يغيب، ولقد أرسى الإسلام الأساس القوي المتين لكل الأزمنة والأمكنة، ليستظل الإنسان بعدالة السماء، وتصحيح المسار الخاطئ لتحقيق الرقي الأخلاقي والتقدم الحضاري وانتشال الإنسانية من الضياع، وإخراجها من الشقاء، والأمل المشرق المضيء ألا يتكل الإنسان على الأسباب الواهية والسواعد الواهنة، ولكن عليه أن يتجه إلى مالك الأسباب مع الشاعر الذي يقول:

لا تســأل العبد عن عون وعن مدد        واســـأل إلهك رب العــــون والمـدد

والجأ إلى الله في كـــل الأمــور ولا        تطرق سوى بابـه إن كنت في كبد

فعنه لذوي الحــــاجات ما طــــلـبوا        وبحــــــره مــــــورد لـــلأم والــــولد

  والشباب هو حارس الحلم الإنساني، حتى لا يتمكن اليأس من القلوب، وينعكس على المجالات التعاملية فترتجف الكلمات، ويضطرب الحال، هم الصف المتقدم الذي لا يستسلم لليأس، وهم الأمل الأخضر والطريق المستنير، وهم الحياة في صمت الصحراء وظلامها وجدبها وخير من يحولها إلى واحة خضراء تحمل رحيق الحياة الزاهي، وهم أشبه شيء بنهر تخلص من الطمي الذي كان يعلوه فاستعاد الماء صفاءه وشفافيته، وتوحد بذلك البحر البشري وامتدت مياهه فوق مياه المحيط المالح: بحيث يستقبل كل فرد وكأنه قطرة من قطراته، شعاعا صافيا من أشعة الشمس، وتكون هذه بمثابة بداية أخرى جديدة تتفاعل مع المؤثرات المحلية والعالمية، وبذلك يبلغ الإنسان ذروته الشماء وهو يتجه نحو مركز الدائرة في المسجد الحرام، وحول الكعبة الطائفون والعاكفون والركع السجود في لقاء بين حركة الجسم والفكر والقلب.

والمطلوب اليوم من الشباب أن لا يكتبوا التاريخ فحسب بل أن يصنعوه أيضا؛ لأن الحركات التي حركت أعظم الإنجازات التاريخية هي قوة الشباب، وإن شئت فهم حملة الرسالات إلى المستقبل، ووظيفتهم هي تحقيق الوجود وتأكيد بقاء واستمرار الاستقرار الاجتماعي، وهو القادر على نقل كل ما يمكن به تشكيل الحضارات، لهم الأثر الهائل في الضبط الاجتماعي، والتوجيه الصحيح السليم والإنسانية ستبقى مصونة وسيزداد ازدهار التفاعل البشري إذا أدى الشباب دوره ولم يغفل الحب الذي ألقاه البعض في قاع الذاكرة نسيا منسيا اتجاه الآخر، فالشباب المتصف بعطائه وبإنسانيته، ودفء قلبه الرؤوف يبقي صمود الإنسان في وجه هجمات التصارم الساحق، وينحني تقديرا أمام بناة التواصل الإنساني في لحظات النداء الخارج من ذاته نافذا إلى البشرية جمعاء.

وإذا انعزل الشباب فمن يا ترى  ينزل إلى الأدغال ليرقى بالمنسيين صاعدا معهم في المنحنيات الوعرة، ومن يروي عطش اليائسين بكلمات العزاء وينتشل المنحرفين من أنانية الشهوة القاتلة، ومن يجوب أنحاء الدنيا مهما دميت أقدامكم ولطمتكم الرياح والعواصف، وطمركم الصقيع، لا تنغلقوا بداخلكم، كونوا أرحب وأكثر استيعابا للحياة احتواء، واسموا بالإنسان واطبعوا عليه بصمات السعادة، وكونوا ذلك القلب الذي يخفق فرحا وسعادة لتلاقي المتدابرين، علموا الناس أن الشجاعة موطنها قدرة صاحبها على الثبات والجلد والاحتمال، بما يلاءم إنسان العصر وبما يعلي من آدميته.

يتبع في العدد المقبل..

أرسل تعليق