Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الرواية العرفانية عند عبد الإله بن عرفة: الأبعاد والدلالات

الرواية العرفانية عند عبد الإله بن عرفة: الأبعاد والدلالات

عقدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق التابعة لجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء ندوة علمية دولية بعنوان “الرواية العرفانية عند عبد الإله بن عرفة: الأبعاد والدلالات” يومي 24 و 25 دجنبر 2014، الموافق فاتح شهر ربيع الأول 1436 هـ. وقد عرفت هذه الندوة حضوراً نوعياً بارزاً لكوكبة كبيرة من الأكاديميين والأساتذة والمثقفين والمتتبعين والطلبة. تضمن البرنامج الأكاديمي للندوة جلسة افتتاحية، وجلسة مخصصة للشهادات، وثلاث جلسات علمية.

افتتحت الندوة يوم الأربعاء فاتح ربيع الأول بآيات بينات من الذكر الحكيم، ثم كلمة السيد رئيس الجامعة الدكتور إدريس منصوري، وكلمة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الدكتور مراد موهوب، وكلمة رئيسة شعبة اللغة العربية وآدابها، الدكتورة نزهة بوعياد، وكلمة اللجنة المنظمة ألقاها الدكتور عبد الإله تزوت. وقد أجمعت جميع هذه الكلمات على أهمية عقد هذه الندوة في إطار البرنامج العلمي الأكاديمي لسنة 2014-2015 الذي أطلقته كلية الآداب والعلوم الإنسانية الذي يروم تقوية الصلة بين المؤسسة الجامعية ومحيطها الثقافي… من خلال دراسة إبداعات روائية وقصصية وشعرية مغربية، وتم تدشين انطلاقة هذا البرنامج الطموح بتنظيم هذه الندوة العلمية الدولية في موضوع الرواية العرفانية عند مؤسسها الدكتور عبد الإله بن عرفة.

وبين المتدخلون أن هذه الندوة تروم الإسهام في إضاءة مختلف أبعاد المسار الروائي المتميز للمبدع عبد الإله بن عرفة اعتماداً على مقاربات تهدف الوصول إلى فهم هذه التجربة الإبداعية المتجددة، وتطرح أسئلة متنوعة عن روافدها المعرفية والتخييلية، وتبحث في خلفياتها الأدبية، ومفاتيح قراءتها، ورهاناتها الجمالية التي تسوغ وسمها بـ “الرواية العرفانية”، التي هي جنس جديد في الكتابة الروائية، شهادةُ ميلادِه مغربية بامتياز حققت نجاحاً كبيراً في العالم العربي والإسلامي.

وبعد ذلك، انطلقت الجلسة المخصصة للشهادات التي ترأستها الدكتورة كريمة اليتربي، وشارك فيها الأساتذة: د. عباس الجراري عميد الأدب المغربي ومستشار صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، ود. عبد الله شريف وزاني، ود. مصطفى الجوهري، ود. مصطفى أمدي. وتناول فيها السادة المتدخلون جوانب من شخصية الأديب المحتفى به وتحدثوا عن القيمة الأدبية لأعماله المنوه بها. وذكّر الدكتور عباس الجراري الذي كان أول المتحدثين، المَواطنَ التي عرف فيها المبدع أولا من خلال تكوينه العلمي والأدبي، ومن خلال عمله الدولي كمسؤول في العمل الدولي عن السياسات الثقافية، وأيضاً من خلال اهتمامه بالموسيقى والمديح والسماع. وأخيراً بنبوغه في مجال الأدب والرواية، وقد وسم الدكتور الجراري هذا النوع من الرواية بأنها رواية روحانية وكونية، وأنها نمط جديد في الكتابة الروائية لم يُسبَق إليه المؤلف. وتحدث عما يميز هذه الرواية عن الأنماط الأخرى من الرواية التاريخية والواقعية وغيرها. وبيّن أنها تسعى إلى إيضاح العرفان عند أعلامه الكبار بلغة عربية متميزة ومشرقة مصدرها القرآن الكريم والتراث الثقافي الذي استوعبه المبدع بذكاء لافت وحرفية كبيرة، وبكون هذه اللغة مليئة بالمجاز والاستعارات والإشارات بحيث تدفع القارئ إلى عوالم تقربه من هؤلاء الأعلام الكبار وتسهل الوصول إليهم وإلى أعمالهم. ولأن هذا الطموح كبير وكوني فقد بيّن الدكتور عباس الجراري أن المؤلف أحسّ بصعوبة إدراك كل مراميه فوضع مجموعة من البيانات لكي يُعبِّد الطريق أمام الطالب الراغب والقارئ العاشق حتى يقف على العوالم العجيبة التي يشيدها. ثم بيّن الدكتور عباس الجراري أنه من الخطأ أن نصف هذا المشروع بأنه مغامرة إبداعية لأن الروائي ينطلق من مبادئ ورؤية واضحة وأهداف محددة ومنهاج لا يصح معها إطلاق لفظ المغامرة عليه، بل هو عمل إبداعي واع بمراميه وأهدافه. وخلص إلى أن المبدع قد قام بدوره في تقريب أعماله وتقديمها للقراء وليس عليه كما يقول الشاعر: عليَّ نحتُ القوافي من معادنها وليس عليّ إذا لم تفهم… ودعا الدكتور الجراري النقاد إلى الانكباب على هذا المشروع الروائي الجديد لقراءته وتقديمه للقراء وإبراز قيمته الأدبية والأخلاقية والحضارية. كما دعا الطلاب في شُعَبِ الآداب بمختلف لغاتها، وشُعَب الفكر الإسلامي والفلسفة والتاريخ وغيرها إلى قراءة هذه الروايات لأنها تقدم صورة متكاملة عن الحضارة العربية الإسلامية والتاريخ والفكر الإسلاميين وأعلامه الكبار، ليعرفوا أن في الإبداع المغربي، ومِنْ بَيْنِ علمائنا وأدبائنا مَنْ يمزجون بين التعبير الأدبي الفني الرفيع والفكر الفلسفي الإسلامي العميق في أعمال أدبية رائعة. وختم كلامه بالقول “وهي مناسبة لأحيي هذا المبدع وأهنئه على هذا التكريم المستحق، وأتمنى له مزيداً من التوفيق والسؤدد والتألق في هذا المجال وفي غيره. كما أهنئ جامعة الحسن الثاني وكلية الآداب والعلوم الإنسانية على تنظيم هذه الندوة العلمية الكبيرة التي تُشَدُّ إليها الرحال”.

أما الدكتور مصطفى الجوهري فقد ذكر أولا أن هذه الندوة العلمية حققت سبقاً علمياً على مستوى المغرب والعالم العربي بتنظيم هذه الندوة. وبيّن الدكتور الجوهري أن الأستاذ عبد الإله بن عرفة يتميز بخصال أخلاقية عالية وخصال علمية كبيرة. كما بيّن أن الرواية العرفانية فَتْحٌ جديد في السرد الروائي، ونمط روائي جديد متمرِّد على السائد من الكتابات الروائية، اقتحم صاحبُه الصّعبَ وتميّز بالتجديد والتجدد الذي يقرن الإبداع بالتنظير في المغرب والعالم العربي. ثم ذكر أنه تعرَّف على الأستاذ ابن عرفة من خلال محطات كثيرة منها محطة المديح والموسيقى الأندلسية والسماع برفقة شيخ المادحين والمسمعين سيدي عبد اللطيف بنمنصور، والمحطة الثانية هي محطة النادي الجراري، والمحطة الثالثة هي محطة الإيسيسكو، والمحطة الرابعة هي محطة البحث العلمي والإنتاج الأدبي والفكري والثقافي. وخلص إلى القول بأن المبدع الدكتور عبد الإله بن عرفة أديب مبدع مجدد، وأن مشروعه انطلق من المشرق أولا حتى صار اسماً مرموقاً هناك قبل أن يصل إلى المغرب، وذلك أنه يصدر رواياته لدى دار الآداب التي لا تنشر إلا للأدباء الكبار. وهنأ المبدع في ختام كلمته، وبيّن أن تكريمه في هذه الندوة تكريم للإبداع المغربي الرفيع.

ثم تناول الكلمة الدكتور مصطفى أمدي الذي بيّن أهمية هذا المشروع، ومركزية الأندلس في روايات الأديب عبد الإله بن عرفة، ودعا إلى الانكباب على هذه التجربة بالدراسة والترجمة.

وبعد ذلك انطلقت الجلسة العلمية الأولى تحت عنوان “الأبعاد الصوفية في الرواية العرفانية” التي ترأسها د. محمد البكري. وقد تناول الكلمة فيها أولا فضيلة الأستاذ عبد الله اكديرة، رئيس المجلس العلمي بالرباط، في بحث عنونه “رواية التصوف عند عبد الإله بن عرفة: تاريخ وإبداع”. وقسم بحثه إلى ستة أقسام تحدث فيها عن المعرفة والعرفان في روايات ابن عرفة، ثم انتقل إلى سبب اختياره للرواية في التعبير عن المعارف التي يبثها في أعماله، وتحدث ثالثاً عن الأعلام الكبار الذين اختارهم شخوصاً لهذه الأعمال، ثم تكلم عن أسلوب الرواية وحبكتها ولغتها العالية، وفي القسم الخامس تحدث عن مستقبل هذه الرواية ومكانتها عند جمهور القراء في المغرب والوطن العربي والإسلامي. وختم كلمته بالتأكيد على أن المبدع لم يسبق إلى هذا النوع من الفن الروائي، وله بهذا فضل السبق وحيازة الريادة.

ثم أعقبه الدكتور صالح شكاك في بحث عنونه “قراءة في رواية جبل قاف: ذاكرة التاريخ ومسالك الحكمة” الذي قدم قراءة عاشقة لهذه الرواية ولغتها وعرفانيتها، أما ذاكرة التاريخ فتفوح بالأحداث والوقائع. فالتاريخ بالنسبة للمؤلف لا يعني قضايا وقعت وانتهت بل إنه يثمر في حياتنا. أما العرفان والحكمة فهو الفضاء الذي يتقلّب فيه. وقد كان البحث الذي ألقاه الدكتور شكاك نصا إبداعيا وجماليا بامتياز نحته من خلال قراءته لهذه الرواية تحت ولاية سر القاف، فجاء طافحاً بلغة ومعجم ينهل من كل الألفاظ العربية المتضمنة لحرف القاف.

وبعد ذلك أخذ الدكتور أحمد زنيبر الكلمة وألقى بحثاً تحت عنوان “التاريخي والإبداعي في رواية الحواميم لعبد الإله بن عرفة”، وتحدث عن الدلالات التاريخية لحادثة طرد الموريسكيين التي خصصها لرواية الحواميم. وتساءل الباحث قائلا: كيف قام المؤلف بتذويب كل الإشكالات المرتبطة بهذا الحدث التاريخي في قالب روائي ممتع؟ ولماذا تعود الرواية لإحياء حدث تاريخي مضى وانقضى؟ وأجاب بقوله: حتى لا تبقى الرواية تاريخاً صرفاً فإن المبدع تخيّل قصة حب ذوّبها في نسيج هذه الأحداث التاريخية بشكل متواشج. وتحدث عن أقسام الرواية المسماة بالألوية السبعة في علاقة مع سور الحواميم. وكيف أن ثنائية الموت والحياة تشتغل في مجمل السرد الحكائي لهذه الرواية سواء في الأحداث أو أسماء الشخوص وغير ذلك. وقد بلغ المبدع القمة في الإبداع والتعبير حين صوّر لنا أنواع التنكيل والتعذيب التي تعرّض لها الموريسكيون في محاكم التفتيش. وينقل لنا فصولا وحوارات عميقة من الرواية في سجن من سجون الكنيسة بين شيخ مسلم وإصلاحي بروتستانتي. إن عودة ابن عرفة للتاريخ لم تكن مجانية وإنما لفتح كوات متجددة في راهننا عن طريق استرجاع التاريخ. كما وضح اهتمام الكاتب باللغة وتنوع المعاجم اللغوية المتعددة في متن الرواية، واهتمامه بنقل المشاعر الإنسانية المختلفة كالحب والكراهية والصداقة والخيانة وغيرها. كما تحدث عن عناية الكاتب بالسرد، والمزاوجة بين سرعة الإيقاع وبطئه بحسب الأحداث المصبوبة في السرد العام، وعنايته بالحوار لمناقشة قضايا حضارية وإنسانية ووجدانية وغيرها. وختم الباحث بالقول إن الكاتب قد برهن على مقدرة فنية تسافر بالقارئ نحو تخوم إبداعية وتخيلية عجيبة. لقد جمعت الرواية بين السيرة والحكي والتاريخ والحكاية والشهادة، إنها كتابة بالنور تروم الإبداع والإمتاع.

أما د. عبد اللطيف الوراري، فقد قدم بحثاً تحت عنوان “التخييلي والعرفاني في رواية ابن الخطيب في روضة طه”. وتساءل عن حقيقة الدعوى التي تربط الرواية بنشأة غربية في حين أن المستوى الذي وصلت إليه الكتابة الروائية في العالم تؤشر على أنها فن عالمي. وخلص إلى أنه لا معنى لفرض القوانين الغربية على كل إنتاج روائي، والخضوع لمركزية غربية تنكر على الأمم الأخرى أي أصالة وتلزمها بالمرور من نفس المراحل التي مر منها الأدب الغربي. وطرح الباحث قضية السيرة والتاريخ والمآزق النظرية الثاوية في معالجة هذه القضية. ودعا إلى هدم الحدود بين التاريخ والتخييل، والتعارض بين التاريخ والسيرة. وبيّن أن الخطاب التاريخي صنعة أدبية ليس بأقل تخييلا من الأدب. كما توقف عند مفهوم الحضور والشهادة التي يستعملهما المبدع في بياناته الأدبية. وتساءل الباحث: هل من حقنا الحديث عن التخييل العرفاني؟ ويجيب بأن التخييل يصل إلى مداه في التجربة العرفانية، وقد نجح المبدع في الوصول بهذا التخييل إلى القمة. لكن هذه الرواية ليست كأي رواية، إنها تفتح أمام المتلقي أفق انتظار، فلا هي رواية اجتماعية أو بوليسية أو واقعية، بل إنها رواية إشراقية نورانية وعرفانية تخضع لمفهوم آخر للكتابة هو الكتابة بالنور، ويتسم فيها السفر بين الواقع والخيال الخلاق. ورغم أن الأحداث الروائية تاريخية فإنها مرجعيتها لازمنية تستوعب في ديمومتها جميع الأبعاد الزمنية. لقد ترسّخ في وعي المبدع معنى هذه الرواية العرفانية من خلال بلبلة النظام الأجناسي بمزجه البارع بين أنماط سردية وحكائية متنوعة مستمدة بالأساس من مادة الروح ومن تجربة المبدع الروحية.

وفي اليوم الثاني للندوة، عقدت الجلسة العلمية الثانية بعنوان “أبعاد الرواية العرفانية”. وترأستها دة. فاطمة أعوانت. وافتتحها د. عبد الله شريف وزاني ببحث عنونه “الرواية العرفانية في أبعادها التربوية”. وتوقف عند عدة أمثلة تربوية رصدها في روايات الروائي عبد الإله بن عرفة. ثم تناول الكلمة الأستاذ عبدالإله البريكي الذي ألقى بحثاً بعنوان “المتخيل السردي في الرواية العرفانية: قراءة في روايات الفواتح النورانية المفردة لعبد الإله بن عرفة”. وقد انطلق الأستاذ الباحث في قراءته لأعمال المحتفى به من أربعة محاور: المتخيل السردي والخيال العرفاني. حَوَافُّ النص بين باطن العناوين وظاهر المقدمات. المتون. الخطاب الروائي. وذكر في مستهل البحث الذي ألقاه بالقول “إن الوقوف على التجربة الروائية للمبدع الروائي عبد الإله بن عرفة يستدعي قراءتها ضمن مشروع روائي متكامل لأنها تمتلك سَنَناً جمالياً ومعرفياً يحمل صفة المشروع، الذي يقتضي عدم فصل بعض هذه الأعمال عن بعضها الآخر”. ثم بين جدة هذا المشروع بالنظر إلى ما سبقه من تجارب بقوله “إن هذا المشروع يعد تدشيناً لاتجاه إبداعي جديد يمكن أن يكون تطوراً لما هو سائد في الأوساط الثقافية العربية اليوم من أعمال سردية استلهمت التراث الصوفي من الخارج، فلم تسبر أغواره، ولم تقتحم لججه. قصارى ما قامت به هو تصويف السرد من خلال توظيف المعجم الصوفي، أو استحضار بعض الشخصيات الصوفية”.

ثم تناول الكلمة الدكتور عبد الصمد غازي الذي توقف عند أهمية البيانات النقدية في بناء الرواية العرفانية، وأوضح قيمة هذا المشروع الذي يزاوج بين الإبداعي والتنظيري. وميز تمييزاً واضحاً بينه وبين التجارب التي تستلهم التراث العرفاني دون أن تنهض بوظيفة تأسيس أدب عرفاني بالكامل، وقصارى ما وصلت إليه هو اقتراض اللغة الصوفية أو نقل بعض الحكايات أو الحديث عن بعض الأعلام دون تأطير الحكي والسرد ضمن رؤية عرفانية تتغيا بناء مشروع عرفاني واضح المبادئ والغايات. كما فصّل في كون الرواية العرفانية مرتبطة بقضايا حضارية راهنة، ونبّه إلى عدم الخطأ في تأويلها وتأويل التخييل السردي فيها بالقول بأنها رواية مغرقة في الإشارية دون وصلها بالواقع، وأكد على أن القضايا الحضارية التي يطرحها الكاتب في البيانات التقديمية، والسرد الذي يعتمده لترجمه هذه القضايا يؤكد هذه الحقيقة. كما بيّن أهمية التخليق التي ينهض به هذا الأدب انطلاقا من اشتغال المبدع على ذاته بالتزكية.

ثم انطلقت بعد ذلك الجلسة الثالثة بعنوان: الرواية العرفانية: “قراءات في العتبات والمتن”. وقد افتتح الحديث فيها الدكتور فيصل الشرايبي الذي ألقى بحثاً بعنوان “عتبات رواية ابن الخطيب في روضة طه نموذجاً”. وبعد تقديم الرواية والشخصية التي كتبت حولها، تحدث عن مجموعة من العتبات في هذه الرواية مثل العنوان والغلاف والبيان ودلالة اسم كاتب الرواية وعلاقته باسم عنوان مشروعه الروائي وغيرها، وحاول أن يرصد اللغة السيميائية الدلالية المتوارية خلف هذه العتبات التي لا تفصح عن نفسها إلا لتزُجَّ بالقارئ في بحر سيميائي يستوجب معه أن يحسن السباحة حتى يقتنص المعاني والدلالات، ويفكّ شَفْرَتَها. ثم تحدّث عن الدعامات التي وضعها الأديب عبد الإله بن عرفة لمشروعه الروائي، وهي اللغة الرفيعة والأدب العالي باعتباره جماعاً للخير، والانفتاح على التراث الروحي الإنساني والقضايا الحضارية، والخيال الخلاق والمعرفة الحقة.

وبعد ذلك أخذ الكلمة الدكتور جمال بندحمان الذي ألقى بحثاً بعنوان “أنساق البرهان في الرواية العرفانية” حيث انطلق من تساؤلين اثنين: كيف تُقرأ الرواية العرفانية؟ ما المنهجية الأكثر قدرة على استكناه هذا المتن الروائي. والتساؤل الثاني: كيف نُصنِّف هذا المتن الروائي؟ وحاول أن يميز بين التصنيف الذاتي لصاحب المشروع في تصريحاته وبياناته، والتصنيف النقدي الذي يقترحه النقاد والباحثون. وتطرق إلى مجموعة من الإشكالات متسائلا: أي علاقة تربط الرواية العرفانية بما هو برهاني؟ وما خصائص متنها ومبناها الحكائي؟ وقدّم مجموعة من الافتراضات منها أن البرهان والعرفان متعاضدان، وأشار إلى أن هناك ثلاثة نظم هي البيان، والبرهان، والعرفان. ودافع على أن داخل العرفان يوجد البرهان والعكس. وتساءل على أن اختصاص المشروع بمسمى الرواية العرفانية قد يحجب كون هذه الرواية تتضمن أنساقاً فكرية وسردية أخرى في البيان والبرهان. ثم تكلم عن طبيعة الكتابة الروائية في الرواية العرفانية الموسومة بعدم النسقية، لكن أوجُهَ البيان والبرهان في هذه الرواية تتسم بالاتساق، مما يدعونا إلى بيان اختلاف مستويات الكتابة بين النسقية وعدمها وفق مستويات الكتابة ضمن نظم البيان والبرهان والعرفان. ويقرر الباحث على أن رواية الدكتور عبد الإله بن عرفة رواية عرفانية لكنها ليست رواية غير برهانية. واستند إلى نظرية العوالم الممكنة والمنطق المتدرج الذي يسمح بتداخل العوالم والنظم والأنساق. وخلص إلى أن الرواية العرفانية تتمرّد على الأنساق النظرية النقدية الجاهزة وتكسر التصنيف التقليدي للأنواع حيث تتداخل فيها أجناس متعددة وأنماط من الحكي مختلفة، وسيميائيات غنية، فهي تدلُّ أكثر مما ترمز أو تقول، ولهذا فهي تتطلب منهجاً نقدياً يحرص على ملء الفجوة بين العبارة والإشارة.

وبعد المناقشة، عقدت الجلسة الختامية حيث أخذ الكلمة المحتفى به، فبدأ بالشكر المستحق للكلية واللجنة المنظمة والأساتذة المشاركين والطلبة. ثم أجاب عن بعض الأسئلة العالقة، وبيّن بعضاً من اختياراته الإبداعية وتحدث على أهمية أن تتوفر للكاتب رؤية ومنهج وغايات. ثم بين مفهومه للعرفان فلم يحصره في نمط فكري بعينه بل لخصه في كونه “فناءً عن كل معروف” إلى درجة تتحقق فيها المماهاة بين العارف والمعروف والمعرفة. وبين كذلك تهمُّمَه بالتخليق أمام الانحرافات الأخلاقية المهولة التي تمر منها إنسانية القرن الواحد والعشرين والتفكك الأسري والتلوث البيئي والتسيب التقني، وخلص إلى أن الحوار بين الثقافات يمكنه أن يكون حول قضية القيم. ثم دعا إلى عدم الإغراق في المطالبة بالخصوصية الثقافية لأن ذلك يعني أن الكونية تصنعها أمم أخرى. كما تحدث عن المسألة اللغوية وعن حقيقة الأدب الذي ينبغي أن يكتب بعربية راقية أمام الفوضى اللغوية السائدة. وعرج على أن الرواية العرفانية قد حققت هدفها وأسست لجمالية عرفانية تتواشج فيها المعرفة بالسلوك، ويتحقق فيها الذكر مع الفكر، ويتساوق فيها التاريخ مع الحاضر، وأكد على أن الرواية العرفانية تطمح للنهوض بالأدب المغربي والعربي لها من الجدارة ما يؤهلها لبلوغ كونية جديدة.

وفي ختام الجلسة تم تكريم المحتفى به وقام السيد عميد الكلية بتقديم هدية للمبدع، ثم تحلق الأساتذة المشاركون والطلبة بالأديب الدكتور عبد الإله بن عرفة على منصة مدرج الكلية، في تواشج روحي فريد.

أرسل تعليق