Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الرسول القدوة

الحمد لله الذي أطلع للناس في ظلمة الضلال بدر هدى، والحمد لله الذي من علينا ببعثة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فرفع ذكره، وأعلى مقامه، وبعثه رحمة للعالمين في الدنيا وعرصات القيامة، وأمر أمته بتعظيمه فنبههم لذلك بالأمر بالصلاة عليه، والنهي عن رفع الصوت عنده والتقدم بين يديه، اللهم فصل عليه في الأولين والآخرين وفي الملأ الأعلى صلاة تكون بين أيدينا نورا، ونزداد بها نضرة وسرورا، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأهل بيته…

وبعد قال الله تقدست أسماؤه “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً” [الاَحزاب، 21].

لا شك أيها الأفاضل أن من دواعي تجديد البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتجديد المحبة له، أن نحتفي بذكر أخباره، وأيامه وسننه وسيرته صلى الله عليه وسلم… فإن معرفة النبي صلى الله عليه وسلم من أوجب الواجبات في الدين ولن يكون الاتباع والتأسي إلا بمعرفة حال المتبوع بصرف الهمة إلى العناية بكل سطر كتب عن الحياة النبوية والسيرة النبوية، ولذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم المصاحبون له الواقفون على آثاره يحرصون كل الحرص على الاستزادة من بيان أحواله صلى الله عليه وسلم. فكان الغائب إذا حضر من غيبته يسأل أصحابه عما رأوا من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وعما سمعوا من أقواله وعما وقع من الحادثات من بعده، وعما نزل من الوحي حال غيبته وكانوا يسألون عن أشدهم قربا منه وعن أمهات المؤمنين عما يعلمن ويعرفن من أحواله عليه الصلاة والسلام… دخل رجلان من الصحابة على السيدة عائشة، فقالا: يا أم المؤمنين.. حدثينا بأعجب ما رأيت من أحوال النبي صلى الله وسلم فقالت: وبم أحدثكم؟ لقد كان كل أمره عجباً. قالت: أتانى ليلة صلى الله عليه وسلم فدخل معي في اللحاف حتى إذا مس جلده قال: ” ذرينى أتعبد لربى ساعة”، فقلت له: أحب قربك وأوثر هواك فقام يصلى، وأخذ يبكى واستمر يصلى، ويبكى حتى كانت دموعه تقطر على الحصير، وما زال يصلى ويبكى وتتساقط دموعه على الحصير حتى جاء بلال يؤذنه بصلاة الصبح، فقال له: ما يبكيك يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم” ويحك يا بلال، وقد نزلت علي الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتدبرها. ثم تلا قول الله تبارك وتعال “الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار” ثم قال صلى الله عليه وسلم: “ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها.. “.

فالاحتفاء بالمولد ليس مقصودا لذاته وإنما هو وسيلة إلى هدف؛ والهدف أن نجدد حبنا للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فهذا هو الغرض الأول: ثم أن نتأسى به وأن نقتدي بهديه وهذا هو الهدف الثاني كما قال تعالى “”لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إسْوَةٌ حَسَنَةٌ“، والهدف الثالث: أن نجعل من المعاني السامية والأخلاق العالية التي أكرم بها صلى الله عليه وسلم منهج حياتنا، وأساس سلوكنا، ودستور تفكيرنا ومعاملاتنا، وعلاقاتنا المتنوعة..

kayfanartaki2_almithaq_198

إن حياة الإنسان الأخلاقية والروحية لن تبلغ كمالها ولا تزكو زكاها إلا بالاقتداء بهدي الأنبياء، وقفو آثارهم، والتخلق بأخلاقهم، ولا أمل يرجى في خير العالم وصلاحه إلا إذا عمل أهله الأعمال التي هدى إليها الأنبياء، ودعوا إليها… لأجل ذلك كان أهم الفرائض على أبناء الإنسانية حفظ سيرهم والتحلي بأخلاقهم وشيمهم..

“إن نظرية مهما تبلغ من العمق ودقة الفكر، وإن مشروعا مهما يكن رائقا ويقع من الناس موقع الإعجاب كل ذلك…لا يغني غناء ولا يثمر ثمرة إلا إذا كان له من يتمثله بعلمه، ويدعو إليه بسلوكه ويعرفه إلى الناس بلسان الأفعال قبل لسان الألفاظ، فيتأثر الناس بهؤلاء الأتباع من طريق العمل، ومن طريق القدوة والحال؛ سئل الفيلسوف والشاعر”طاغور: ما بال البرهمانية أخفقت في مساعيها، ولم تنجح مع أنها أنصفت الأديان، وجمعت المحاسن، وسالمت الملل، ومن مبادئها أن الديانات كلها على حق، وليس فيها ما يخالف العقل أو يعارض المدنية ويناوئ الفلسفة الحديثة، وأن صاحب هذه النحلة قد رعى فيها الظروف الراهنة، ومع ذلك لم يتح لها من الانتشار والقبول قليل ولا كثير” فأجاب “طاغور” قائلا: “إن النحلة لم يكن لها داعية يدعو الناس بسيرته الكاملة، ولم يكن لها لسان يدعو مؤيدا بعمل يصدقه فتهوى إليه أفئدة الناس، ويكون لهم من الدعاة إسوة يأتسون بها” وهذا النظر الثاقب والجواب السديد من طاغور يدل على أن النوع الإنساني يحتاج أشد الحاجة في بلوغ الكمال إلى نماذج وقدوات عملية طهرت حياتهم وزكت نفوسهم وصفت قلوبهم من وصمات الذنوب وشبهات الآثام وموبقات السلوك..

أرسل تعليق