Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

التربية العقلية في الإســــلام.. (1)

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقِّ ليظهره على الدِّين كلِّه، فبلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، اللَّهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهديه وسلك سبيله إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد، فإنَّ نعمَ الله عزَّ وجلَّ على عباده كثيرة لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأجلُّ نعمة أنعم الله بها على الإنس والجنِّ في آخر الزمان أن بعث فيهم رسولَه الكريم محمداً عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم، فبلَّغهم ما أُرسل به إليهم من ربِّهم على التمام والكمال، لقد أجمع العلماء على أن العقل هبة من هبات الله عز وجل إلى الإنسان، الذي كرمه الله على بقية خلقه، فالعقل هدية الإسلام إلى الإنسانية، على ذلك فإن الدين والعقل ليسا متقابلين تقابل البياض والسواد، بل العقل دين من داخل الإنسانية، والدين عقل من الخارج، وقد سمى الله تعالى العقل دينا فقال: “فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم” [الروم، 29]، وسلب العقل عن الذين لا يؤمنون فقال: “ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم فهم لا يعقلون” [البقرة، 170].

إن الإنسان قد أدرك منذ فجر حياته قيمة العقل فاعتمد عليه في تعامله مع العالم الذي يعيش فيه وتحقيق أغراضه بما يتناسب مع درجة وعيه لنفسه ولحقيقة دوره في هذه الحياة، فإذا نظرنا إلى العقائد التي يأخذ بها الإنسان وإلى الأسباب التي تجعله يعتقد في صحتها فإننا نجد أن كل ذلك يتحقق إلى درجة كبيرة بعاملين هما: ذكاء الإنسان والبيئة التي تحيط به وتؤثر عليه.

ولاشك أن ثمة علاقة وثيقة تربط بين العقل والواقع عموما، فالفكر الإنساني أيًا كانت صورته لا يعدو أن يكون دالة لظروف اجتماعية واقتصادية وثقافية معينه تمده بمقومات الوجود وترسم له مسارات الاتجاه، وتحدد له أهداف العمل، ولا يمكن أن يقتصر الأمر هنا على ذلك، إذ لابد أن يعيد الفكر النظر في الواقع إما لتغييره أو تدعيمه أو غير ذلك من حاجات يبرزها التطبيق وتدل عليها الخبرة، والفيصل هنا مدى كفاءة الفكر، فإن كان الفكر حيويا وثريا وعميقا استطاع أن يلعب دورًا أساسيا في تغيير الواقع، وتوجهه الوجهة السليمة، أما إذا كان جامدًا وفقيرًا وسطحيًا لم يستطع أن يلعب الدور الرئيسي في تشكيل هذا الواقع، وإنما يصبح عاملاً هامًا في تثبيت أركان الاقتراب منه وفي كلتا الحالتين تكون العلاقة علاقة تأثير وتأثر، أي علاقة تفاعل بين الجانبين.

التربية العقلية في الإســــلام.. (1)

لقد ميز الله الإنسان بقوة التفكير عن بقية مخلوقاته في الكون الأرضي، وجعل سبحانه العقل مناط لتكليف، فرفع ذلك عن فاقديه وجعل سبحانه وتعالى أولى خصائص الإسلام أنه دين يقوم على العقل ويحترم منطقه، أما دعوة القرآن إلى النظر في كل ما في الوجود فهي دعوة مطلقة، فالله سبحانه يقول: “اَو لم ينظروا في ملكوت السماوات والاَرض وما خلق الله من شيء” [الاَعراف، 185]، ودائرة النظر هذه رحبة تستوعب كل شيء، ولا قيد عليها إلا ما ينفي الخطأ ويضمن اليقين”[1].

وإذا كانت الحضارة الغربية قد أقامت شبابها كله على الإعلاء من شان العقل الإنساني، فهل تراها التقت مع الإسلام، أم تناقضت معه؟ والجواب سهل وواضح هو أنها اصطدمت معه، فكيف اصطدمت معه والإيمان بالعقل ومعطياته قاسم مشترك بينهما، والجواب على هذا السؤال أيضا سهل وواضح، ذلك أن الحضارة الغربية قد اعتبرت العقل الإنساني (على كل شيء قدير)، بينما اعتبره الإسلام محدود الإمكانيات[2]. وليس معنى كون العقل الإنساني في الإسلام محدود الإمكانيات، أن عليه ألا يفكر، ولكن معناه أن يلزم حدود إمكانياته، حيث يفكر لأنه حين يتعدى هذه الحدود مغرورا، فإنه يصاب بخيبة الأمل ثم يكون قد فقد الثقة في النفس، وحين يلزم حدوده فإنه يظل دائما حيا ونشيطا لأنه لن يصيبه الفشل أبدا. ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم صورة حية لهذا الموقف العقلي الإسلامي في تفكيره، وفي مواقف حياته على السواء. فإن اعتماده على الله سبحانه وتعالى كما كان يبدو في كل تصرف من تصرفاته، لم يكن يحول بينه وبين أن يفكر في كل جزئية من جزئيات حياته. ويبدو أن هذا الموقف من العقل لم يكن حكرا عليه وحده صلى الله عليه وسلم وإنما كان موقفا إسلاميا عاما انتقل من خلاله إلى صحابته، ومن صحابته إلى التابعين ومن جاء بعدهم من السلف الصالح.

وفي ضوء هذا الموقف الإسلامي الواضح المحدد من العقل، كانت الحياة الدينية في الإسلام سعيا ولم تكن تنطعا، فإن السماء –على حد تعبير عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأحد من فهموا الإسلام تنطعا باسم العبادة- “لا تمطر ذهبا ولا فضة” أو “أخوك أعبد منك“. فالعقل أثمن ما وهبه الله لعباده وهو لا يولد تاما ناضجا، وإنما يتم وينضج بوسائل شتى تعالج بها معادن الرجال والنساء، فإذا لم تتوفر تلك الوسائل، كان التخلف والقصور، واختفى أو ندر أولوا الألباب الذين يقدرون على الإفادة من الدين.

ولعله من الجدير بالذكر على أن الذكاء أساس الوعي، وأن الدين لا يكمل مع القصور في العقل والقلة في الذكاء، وأنه لابد من ملكات إنسانية رفيعة لكي نعرف الله، وهديه ونفقه توجيهه ووحيه، فإن الهمل قد يسقطون دون مستوى الخطاب، وأن الشعوب البلهاء قد تشد الدين نفسه إلى أسفل بدل أن يصعد بها إلى أعلى، وهنا الطامة!![3]. وقد قمنا بهذا البحث لإجلاء جوانب في هذا الموضوع ولبيان أهمية العقل في الإسلام ومكانته، وكيف يقوم الإسلام ببناء عقلية المسلم وتهذيب تفكيره وإعداده لأن يتسنم ركب الحضارة البشرية.

يتبع في العدد المقبل

—————————————

1. الغزالي محمد، دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين، ص: 10.

2. د. عبد الغني عبود، فلسفة التربية الإسلامية في الحديث الشريف، ص: 20-21.

3. الغزالي محمد، دستور الوحدة الثقافية، مصدر سابق، ص: 20.

أرسل تعليق