Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

وحدة الأصل الإنساني

ينظر الإسلام إلى الإنسان على أنه خليفة الله في الأرض، وقد فضله الله على جميع الكائنات، وكرمه أعظم تكريم مصداقا لقوله تعالى: ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلً” [الاِسراء، 70]، وهذه الكرامة التي اختص الله بها الإنسان ذات أبعاد مختلفة، فهي حماية إلهية للإنسان تنطوي على احترام حريته وعقله وفكره وإرادته، وتنطوي أيضا على حقه في الأمن على نفسه وماله وذريته.

وأن وحدة الأصل الإنساني قررها الإسلام، فالله قد خلق الناس جميعا من نفس واحدة، واعتبر الإسلام المساس بحقوق أي فرد من الأفراد أو الإجرام في شأنه بمثابة الاعتداء على الإنسانية كلها، واعتبر تقديم العون والمساعدة لأي فرد بمثابة إحياء للإنسانية كلها قال تعالى: “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ اَوْ فَسَادٍ فِي الاَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ اَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا” [المائدة، 34].

واختص الله الإنسان بالتكليف والمسؤولية، وخلق له هذا الكون الفسيح بما فيه ليمارس فيه نشاطاته المادية والروحية على السواء قال سبحانه: “وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ ءَلايَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [الجاثية، 12].

والتفكر الذي تنص عليه الآية هو أمر جوهري مقصود لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان؛ فإنه إذا كان الله قد سخر للإنسان هذا الكون بما فيه فلا يجوز أن يقف منه موقف اللامبالاة، بل ينبغي عليه أن يتخذ لنفسه منه موقفا إيجابيا. وإيجابيته تتمثل في درسه، والنظر فيه للاستفادة منه بما يعود على البشرية بالنفع والخير، والاستفادة من كل هذه المسخرات في هذا الكون لا تكون إلا بالعلم والدراسة والفهم والنظر في ملكوت السموات والأرض، والإنسان لم يبلغ كل هذا التكريم الذي سما به فوق كل الكائنات إلا بالعقل الذي اختصه الله به، وميزه به على سائر المخلوقات، وقد نوه الإسلام بالعقل والتعويل عليه في أمور العقيدة والمسؤولية والتكليف، ولا تأتي الإشارة في القرآن الكريم إلى العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه، فالعقل قبس من نور الله، وهو ميزان الله في أرضه كما يقول حجة الإسلام الغزالي في “مشكاة الأنوار”.

 

 

ميثاق الرابطة، العدد: 827، الخميس 1 صفر الخير 1419هـ، الموافق لـ 28 ماي 1998م، السنة الواحد والثلاثون

أرسل تعليق