مريم بنت أبي يعقوب الفصولي الشلبي.. الشاعرة المحتشمة
ضيفة هذا العدد تعد واحدة من النساء الأندلسيات الشهيرات في ميدان الدين وحسن الأدب والشعر والحكمة ذاع صيتها في مختلف الأرجاء تحب الشعر والنثر سكنت مدينة (شِلْب) بغربي الأندلس التي “قل أن ترى من أهلها من لا يقول شعرا ولا يعاني الأدب ولو مررت بالفلاح خلف فدانه وسألته عن الشعر قرض من ساعته ما اقترحت عليه وأي معنى طلبت منه“[1].. فقد كان لهذه المدينة العامرة أثرا كبيرا في حياة عالمتنا الجليلة الشيء الذي أتاح لها فرص التألق والشهرة والإبداع في مجال الشعر فكانت رحمها من أعلم نساء عصرها فكرا وأدبا وسلوكا… ترجم لها مجموعة من العلماء الأفاضل ومنهم الحميدي الذي قال في حقها مريم بنت أبي يعقوب الفصولي الشلبي الحاجة أديبة وشاعرة جزلة مشهورة كانت تعلم النساء الأدب[2].
كما كانت رحمها الله امرأة صالحة فاضلة ذات ثقافة راقية وهمة عالية تميزت بعفتها وحسن معاملتها مع الناس “تحتشم لدينها وفضلها“[3] وهي من أفضل النساء كرما وسخاء، ومن أنبع النساء الصادقات حسنة القول حلوة الحديث تحضر مجالس العلم حسنة الإصغاء.. وكانت مولعة بنظم الشعر فقد شبهها الحميدي بمريم العذراء في التَّبَتُّل؛ قال الحميدي أنشدني لها أصبغ بن سيد الإشبيلي من [الطويل].
وما تَرْتَــــجي مِنْ بِنْـــتِ ســـبعين حـــِجَّةً وسبــــع كنــــسْجِ العَـنْكـــبوتِ المـــهلْهل
تدِبُّ دبيبَ الطِّفْل تَسْـــعى إلـــى العــــصا وتمشي بِها مَشْيَ الأسير المــُكَبّـــــــــَلِ[4]
ويضيف الحميدي وأخبرني أن ابن المهند[5] بعت إليها بدنانير وكتب إليها من [البسيط]
ما لــي بشــُكرِ الـــذي أوليْتِ مـن قِــــبَـلِ لو أنني حُزْتُ نُطْقَ اللُّــــسْنِ فــي الخَبـَـلِ
يا فَــــرْدَةَ الظَّرْفِ في هـــــذا الزّمــانِ ويــا وحيـــــدةَ العــــصْرِ في الإخلاصِ و العــملِ
أشْبَهْــتِ مريـــــــماً العــــذراءَ فـــــي وَرَعٍ وفُقْتِ خنساءَ فــــي الأشـــــعارِ والمــــثَلِ
فكتبت إليه:
ماذا يجاريكَ فــــي قـــولٍ وفــــي عمـــــلِ وقَدْ بَــدَرْتَ إلـــى فضْـــــلٍ ولـــــم تُسَــــلِ
ما لي بشكرِ الــــذي نَظَّـــمْتَ في عُنُقـي مــــنَ الـــلآلي وما أوْلَيْـــتَ مـــن قِبـــَلِـي
حَلَّيتنــــي بِحُلًى أصبـــــــحتُ زاهـــــــيـةً بِها علــى كلِّ أُنثًـــــى مِنْ حُلىً عُطــــــُلِ
لله أخــلاقُكَ الغُــــــــرُّ التــــــي سُــــقِيَـتْ مــــــــاء الفـــــراتِ فــرَقَّتْ رقَّــــةَ الغَـــــزَلِ
أشبهْــــــتَ في الشـــعر مَنْ غارت بدائعُهُ وأنْجَدَتْ وغـــــــــَدَتْ مـــن أحْسن المـــثلِ
من كان والـــدُهُ العَـــضْبَ الـــمهنَّدَ لـــــــم يَلِدْ من النَّسلِ غير الـبيضِ والأسَــــــــــــلِ[6]
معظم المصادر التاريخية إن لم أقل كلها لم تذكر تاريخ وفاة مريم بنت أبي يعقوب الفصولي الشلبي الحاجة إلا أن الحميدي ذكر أنها اشتهرت بعد “الأربعمائة وعُمِّرت عمراً طويلا“[7].
————————————-
1. معجم البلدان لياقوت الحموي، الجزء الثالث، ص: 357-358، دار إحياء التراث العربي -بيروت طبعة بدون تاريخ.
2. الصلة لابن بشكوال ومعه كتاب صلة الصلة لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم الغرناطي، تحقيق شريف أبو العلا العدوى، المجلد الثاني ص: 325 مكتبة الثقافة الدينية.
3. جدوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس، لأبي عبد الله محمد بن فتوح بن عبد الله الحميدي المتوفى سنة 477 ه- ص: 600-حققه وعلق عليه بشار عواد معروف وولده محمد دار الغرب الاسلامي – تونس الطبعة الأولى سنة 1429 هـ / 2008 م.
4. جدوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس، ص: 600.
5. شاعر مشهور كان بعد الأربعمائة ووالده المهند هو طاهر بن محمد المعروف بالمهند البغدادي من شعراء الدولة العامرية..
6. جدوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس، ص: 600- أنظر كذلك بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس للضبي، ص: 544 طبعة دار الكتاب العربي -مصر 1967م.
7. جدوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس، ص: 600 أنظر كذلك كتاب الصلة لابن بشكوال، ومعه كتاب صلة الصلة لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم الغرناطي، تحقيق شريف أبو العلا العدوى المجلد الثاني، ص: 325 مكتبة الثقافة الدينية.
أرسل تعليق