Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

كيف نجعل من الذباب حشرة نافعة!؟

إن التدبر في خلق الله سبحانه وتعالى يزيد القلب خشوعا وتأملا في بديع صنعته التي تدل على عظمة قدرته المعجزة، وجمال حكمته الباهرة. يقول عز وجل: “يأيها الناس ضُرب مثلٌ فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له” [الحج، 73]. فهل في الذباب أسرار وحكم نجهلها؟

لقد خلق الله تبارك وتعالى أنواعا متعددة وأشكالا متنوعة من الحشرات تضم أكثر من سبعمائة وخمسين ألف نوع، وهي تمثل ثلاث أرباع عالم الحيوانات.. ومع أن الذبابة حشرة مستقذرة فقد ضرب الله الخالق المصور بهذه الحشرة مثلا معجزا، ليذكر به عَجز غيره على خلق ما نستحقره من المخلوقات.

قسم العلماء الذباب إلى أنواع مختلفة، فمنها ذبابة المنزل، وذبابة خل الفاكهة، والذبابة السوداء، وغيرها.. تمتاز هذه المخلوقات الصغيرة بعينيها المركبتان من آلاف العدسات تُخول لها رؤية كاملة وقوة في الإبصار، كما تتسم بقدرتها الفائقة على التكاثر، ومقاومة عوامل البيئة من أجل المحافظة على نوع جنسها من الانقراض. ينتقل الذباب بسرعة كبيرة وينقل الميكروبات والجراثيم من الأوساخ والقاذورات، فهي حشرة مستقذرة لا نعير لها اهتماما بل نحاربها، ووجودها مؤشر من مؤشرات انعدام النظافة.

يُعتبر الأستاذ -William Baer- المتخصص في جراحة العظام في جامعة جونز هوبكنز-Johns Hopkins- للطب في ولاية ماريلاند، أول طبيب غربي لاحظ أن يرقات الذباب قد أكلت النسيج الميت لجنديين أصيبا خلال الحرب العالمية الأولى بكسر مفتوح لعظم الفخذ، وقد ساعدت تلك اليرقات على قتل البكتريا، وتطهير الجروح من القيح وشفائها بسرعة.

كما استطاع البروفسور –بير– وبعد مجموعة من الأبحاث، أن يؤسس تقنية جديدة لتربية يرقات الذباب من أجل الاستعمال الطبي -la larvothérapie- وقد انتشرت هذه التقنية في أوائل القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية لكن مع ظهور المضادات الحيوية (1940)، وتقدم صناعة الأدوية جعل اللجوء إليها يتناقص خاصة بعد انتهاء الحرب العلمية الثانية. إلا أن استخدام المضادات الحيوية على نطاق واسع في العقود الأخيرة أدى إلى عزل عدد متزايد من السلالات البكتيرية والفطرية المقاومة للعديد من الجراثيم، وفي عام (1989) أسس الطبيب الجامعي -Donald Sherman- بجامعة إيرفن بكالفورنيا وحدة متخصصة في مجال العلاج باليرقات، فأحيى بذلك هذه التقنية الطبية لشفاء المرضى الذين فشلت لديهم العلاجات الأخرى. واليرقات هي أول الكائنات الحية اللافقرية الطبية، التي وافقت عليها إدارة الأغذية والعقاقير -FDA- ليتم تسويقها للأغراض الطبية، ففي عام (2008) حوالي 500 مركز طبي  كان يستخدم هذه التقنية.

وإلى جانب ذلك أثبتت دراسة الباحث تومس -Thomas- أن إفرازات يرقات ذبابة –Lucilia sericata- تقتل أو تضعف نمو عدة أنواع من البكتيريا التي تسبب أمراضا خطيرة. ولزال موضوع دراسة مفعول اليرقات كمضاد حيوي من المواضيع الراهنة التي يشتغل عليها العلماء والأطباء. 

أمام تفاقم مشكل مقاومة الميكروبات للأدوية المتوفرة، اهتم العلماء في السنوات الأخيرة بالبحث عن مصادر طبيعية جديدة لصناعة المضادات الحيوية، وذلك عن طريق اكتشاف واستخلاص مواد ذات فعالية مضادة للمكروبات والجراثيم.

وقد كان أول من أشار إلى هذا المفهوم، وكشف عن حقائقه، هو الحديث النبوي الشريف، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْه؛ُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الْآخَرِ دَاءً” رواه البخاري، وفي رواية لأبي داود “وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء”.

قام مجموعة من الباحثين بتجارب علمية لعزل أنواع الميكروبات المتواجدة على جناحي بعض أنواع الذباب، ووجدوا أن أنواع الجراثيم تختلف بحسب البيئة التي تعيش فيها هذه الحشرات. كما اكتشفوا أنوعا من البكتيريا -Bacillus sp- والفطريات التي تعيش على جناح هذه الكائنات، وهي كائنات شديدة التحمل لعوامل الحرارة والحموضة.. تفرز هذه الأخيرة مواد ذات مفعول ضد الأنواع الأخرى من البكتيريا. كما اكتشف هؤلاء الباحثون أن هذه الأخيرة تنتفخ وتنفجر تاركة تلك المواد في المحيط السائل للذباب وبذلك تتأثر الأنواع الأخرى من الجراثيم فيضعف نموها أو تموت. فسبحان من وضع في مخلوقاته الصغيرة الداء والدواء، وأوحى بأسراره الكونية لخير البرية عليه أزكى الصلاة والسلام.

إن التقدم العلمي في عصرنا الراهن يوفر مجموعة من الوسائل والآليات الحديثة المتطورة التي تساعد العلماء على دراسة واكتشاف الكائنات الدقيقة، والتعرف أكثر على نمط حياتها وأسلوب تكاثرها ومراحل تطورها..

إن ما ندركه اليوم من أسرار في هذا المخلوق الصغير، إنما يُعجز في الحقيقة عقولنا المحدودة من جهة ويوحي، من جهة أخرى، إلى قدرة الخالق وعظمته المعجزة، يقول عز وجل “وفوق كل ذي علم عليم” [يوسف، 76].

المراجع

1. محمد السقاعيد، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، دار اليقين، الطبعة الأولى 2009م.

1.Julian Rogowski, la larvothèrapie dans le traitement des plaies, thèse de doctorat en pharmacie, Université Henri Poincare– faculté de pharmacie, 03-Mars-2009.

2.Shuchi Arora et al, Maggot metabolites and their combinatory effects with antibiotic on Staphylococcus aureus, Annal of Clinical Microbiology and Antimicrobials,10:6 2011.

3.Bérangère Barataud, Des insectes comme nouvelles source de medicaments, Insectes 29 n°132, 2004.

4.Christine Pearson,Something Old is New Again, Debriding and Reducing local Wound  Infection With Maggots,  Wound  Care Canada,  Volume  5, Number 2, 2007.

أرسل تعليق