Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

ضمان حقوق الإنسان مقصدا من مقاصد الشريعة.. (13)

5ـ إعمال فقه الموازنات

قال الشاطبي: “وإنا وجدنا الشارع قاصداً لمصالح العباد، والأحكام العادية تدور معها حيث دارت، فترى الشيء الواحد يمنع في حال لا تكون فيه مصلحة، فإذا كان فيه مصلحة جاز[1].

ومفاد ذلك وجوب الموازنة بين الاحتمالات الممكنة في غير المحكم من الأحكام، ترجيحا وموازنة بين ما تحققه تنزيلاتها في إطار الشرع الحنيف، وبمقاييسه وموازينه، من المصلحة في الظرف الواقعي المعين، ثم اعتماد الاحتمال الذي يرجُح أنه أكثر تحقيقا للمصلحة بضوابطها الشرعية المبينة في أماكنها، واعتبار ذلك هو الحكم الشرعي في تلك الحالة، وهذا مناط الاجتهاد، فيما مردّ الأحكام فيه إلى النظر

 ومن تداعيات الوعي العميق عند علمائنا بهذه الآليات في النظر، كونهم درجوا على ألا يسقطوا من اعتبارهم الآراء المرجوحة في تراثنا الفقهي، إذ هي ذخيرة اجتماعية قد تمس إليها الحاجة في أوضاع لاحقة مختلفة، فما لم يرجح في واقع عيني مشخص نظرا لملابِسات وسياقات معينة، قد يضحى راجحا ضمن ملابسات وسياقات أخرى، وفقه إمام دار الهجرة إمامنا مالك رضي الله عنه يحضر فيه هذا الوعي العميق بشدة، لانبنائه على قواعد واقعية كعمل أهل المدينة، والاستحسان، والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع.

وفقه الموازنات فقه دقيق يقتضي أن يكون المُعمِل له (فردا كان أم جماعة) ريّانا من علوم النص وعلوم السياق، وعلى دراية بالعواقب والمآلات، مما ينتج عنه ملكة في الترجيح والتغليب، بعد القيام بالتسديد والتقريب، وجليّ أن ذلك من معضدات ضمان حقوق الإنسان في المجتمعات.

الخاتمة

1. رامت هذه المداخلة، الانخراط في العكوف الكوني على معالجة جملة من القضايا والإشكالات ذات العلاقة بتنزيل مختلف أجيال حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها كونيا على أرض عالمنا المعولم، في مراعاة لمقتضياته السياقية المختلفة والمتداخلة، وكذا في مراعاة للمستلزمات المعرفية والثقافية والتشريعية.

2. كما رامت هذه المداخلة، الإسهام في بلورة نظريةR.M.R  Reverse Moderate Relativism في مجال حقوق الإنسان، والتي تعنى بالنظر التعارفي المنفتح، إلى ما يمكن أن تغني به المنظومات التشريعية المختلفة، منظومة حقوق الإنسان الكونية. وقد انكببنا في مقامنا هذا على النظر فيما يمكن أن تغني به المنظومة التشريعية الإسلامية منظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا.

يتبع في العدد المقبل..

الأمين العام

للرابطة المحمدية للعلماء

——————————

1. الموافقات 2/225، وقال في الموازنة بين المصالح الكلية: “وكل واحدة من هذه المراتب لمّا كانت مختلفة في تأكد الاعتبار –فالضروريات آكدها ثم تليها الحاجيات ثم التحسينيات- وكان مرتبطا بعضها ببعض كان في إبطال الأخفِّ، جرأةٌ على ما هو آكد منه، ومدخل للإخلال به، فصار الأخفُّ كأنه حمى للآكد، والراعي حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، فالمخلّ بما هو مكمّل، كالمخل بالمكَمَّل من هذا الوجه” الموافقات1/30.

أرسل تعليق