Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

شيوخ التربية.. المهام والفاعلية في المجتمع المغربي

      1. جهودهم في التربية والتزكية

      ومن مميزات الشخصية المتوازنة كذلك، البعد عن التجريد، وعدم الإغراق في الحقائق.

       ب. البعد عن التجريد

      انتهج الصوفية المغاربة منهجا يتسم بالبساطة والوضوح وعدم التعمق والتوغل فيما ليس تحته عمل، والالتزام بحدود النص الشرعي وعدم الإغراق وإطلاق الحقائق، بل يعتبرون ذلك استدراجا وامتحانا فيتعوذون مما ينكشف لهم “ويفرون منه، ويرون أنه من العوائق والمحن”[1]، وهذا ينسجم مع المحيط العام السائد بالمغرب.

      بالإضافة إلى ذلك يرى العلامة علال الفاسي سبب هذا التميز في كون معظم الصوفية من “أهل العلم بأصول الدين وفروعه، ولذلك فهم يعرفون كيف يُكيِّفون آراءهم، وقلَّما تجدهم مصطدمين مع العلماء كما وقع في المشرق العربي..”[2].

      كما يمكن أن نرجعه لسبب آخر وهو: أن دعوة الصوفية عامة، بمعنى أنها تهدف إلى نشر المبادئ الروحية وتبسيط أمور الدين للعامة، من غير تكلف ولا تعقيد ولا تشويش، وهذا الأمر يذكرنا بما وقع للإمام مالك حين سأله “رجل عن شيء من علم الباطن. فغضب وقال: إن علم الباطن لا يعرفه إلا من عرف علم الظاهر، فمتى عرف علم الظاهر وعمل به، فتح الله عليه علم الباطن، ولا يكون ذلك إلا مع فتح قلبه وتنويره”[3].

      فطريقتهم طريقة عملية سلوكية واقعية، تراعي ظروف وواقع الناس، وهذا هو منهج شيوخ التربية؛ نستشف ذلك من خلال أقوالهم وأحوالهم ومنهج تربيتهم للمريدين.

      فأقوالهم وتوجيهاتهم تصب في أحكام السير إلى الله تعالى والترغيب في قطع المقامات والمنازل للوصول إلى حضرة ملك الملوك، والترهيب من الغفلة عن الله وصحبة الغافلين…

      أما أحوالهم رضي الله عنهم، فجل أوقاتهم مستغرقة في الذكر وقراءة القرآن والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتأليف الكتب..

      أما منهج تربيتهم للمريدين فيعلمونهم أحكام العبادات والمعاملات ويربوهم على العمل بالكتاب والسنة والاجتهاد وطرح البطالة والخمول..

      وبهذا المنهج العملي اكتسبت طريقتهم شهرة ومكانة عظيمة لدى أهل المشرق، حتى قيل: “إذا كان المشرق بلد الأنبياء فالمغرب بلد الأولياء”.

      وانعكس ذلك على سلوك مريديهم وتلامذتهم فينفرون من كل ما فيه تشويش على الناس، ويتركون ما ليس تحته عمل، ولهذا السبب هجر اليوسي رحمه الله الإمام أحمد بن عبد الحي الحلبي بسبب نظم تكلم فيه على لسان الحق، يقول محمد بن جعفر الكتاني: “فنقم عليه الشيخ اليوسي ذلك ونهاه، سدا للذريعة، وحماية لجناب الشريعة، مخافة أن يقتدي به في ذلك، من ليس له حظ هنالك”[4].

      يتبين لنا مما سبق أن الصوفية بانتهاجهم لهذا النهج والتركيز على الجانب العملي في التصوف، وإطراح الخوض في الحقائق العليا والابتعاد عن الخوض فيها، مكنهم من تكوين شخصية صوفية مغربية متميزة، تجعل همها الوحيد وهدفها الأسمى، خوض غمار الحياة المجتمعية بكل مسؤولية وأمانة، جاعلة نصب عينيها خدمة المجتمع والصالح العام.

يُتبع..

————————————————–

  1. مقدمة ابن خلدون، ج3/ص1002.

  2. التصوف الإسلامي في المغرب، ص: 21.

  3. ترتيب المدارك، القاضي عياض، تحقيق: علي عمر مكتبة الثقافة الدينية، ط1، 1430هـ/2009م، ج1/ص188.

  4. سلوة الأنفاس، ج2/ص 185-186.

أرسل تعليق