Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

..سجلماسة بين شح المعطيات التاريخية

      ومن الناحية الاجتماعية، استقطبت منطقة سجلماسة عبر تاريخها أعدادا هائلة ومختلفة من العناصر البشرية. فقد استقر بها الإنسان منذ عهود غابرة “العصر الحجري القديم” وعرفت فيما بعد توافد مجموعات إثنية وعرقية مختلفة. وإذا صح اعتقادنا فإن سكان سجلماسة كانوا متجمعين داخل أسوار المدينة كأسر وعائلات لها منازلها الخاصة ولها أيضا حقولها ونشاطها التجاري أو الحرفي، غير أنهم مع اندثار هذه المدينة في أواخر القرن الثامن الهجري -الرابع عشر الميلادي-، تفرقوا عبر الواحة فبنوا قصورا خاصة بهم. وقد اتخذت هذه القصور شكل تجمع سكاني داخل بناية موحدة تحاط بسور ضخم وعال تتخلله عدة أبراج، وله مدخل رئيس واحد. وبداخل القصر يوجد المسجد، والأروقة المغطاة، والساحة العمومية والدور السكنية الموزعة عبر الأزقة.

      كما أن سجلماسة كانت مركز استقطاب لرجالات العلم والمعرفة وكذا لأرباب المال والتجارة. لذلك كانت بفعل ساكنتها المتنوعة وبفعل انفتاحها على جميع التيارات الفكرية والمذهبية قبلة لتبـادل الرأي ولحريـة الاعتقـاد وللتسامح الديني، حيث تواجدت بها مختلف المعتقدات: الخارجية والسنية والشيعية والصوفية، إضافة إلى أهل الذمة.

      كما لا يمكن إنكار أن عمران سجلماسة تأثر سلبا وإيجابيا بالظروف السياسية المتميزة بعدم الاستقرار والتأرجح بين الاستقلال والتبعية. فقد شيدت مدينة سجلماسة حوالي سنة 140 هجرية /757 ميلادية من طرف خوارج مكناسة الصفرية بزعامة “أبي القاسم سمكَو بن واسول”، وكانت في أول الأمر ما بين سنة 140 هجرية/757 ميلادية وسنة 447 هجرية / 1054 ميلادية عبارة عن إمارة مستقلة تعاقب على حكمها كل من المدراريين والمغراويين. واستطاع أمراء سجلماسة خلال هذه الفترة الحفاظ على استقلالهم، بالرغم من الأطماع الخارجية -الفاطمية بإفريقية والأموية بالأندلس- وبعض النزاعات الداخلية.

      وابتداء من سنة 447 هجرية/1054 ميلادية وإلى غاية نهاية القرن الثامن الهجري -الرابع عشر الميلادي-، دخلت سجلماسة بصفة نهائية تحت سيطرة الحكم المركزي وتحولت بالتالي إلى ولاية من ولايات الدولة المرابطية ثم الموحدية من بعدها وأخيرا المرينية. وأصبحت المدينـة الممول الأساسي لخزينة الدولة المركزية، وقد جعلها ذلك هدفا لكل حركة تطمح في السيطرة على المغرب الأقصى أو الغرب الإسلامي ككل أو على الأقل تهدف إلى التحكم في تجارة القوافل. وشهدت تبعا لذلك توسعا عمرانيا كبيرا، وبالمقابل كانت مسرحا لعدة صراعات، فقدت المدينة على إثرها الكثير من بريقها، بل وأصبحت وضعيتها السياسية غامضة في نهاية الفترة المرينية، انتهت بتخريبها. وتبقى الفترة التي تلت القرن الثامن الهجري -الرابع عشر الميلادي- غير معروفة بدقة، وظل اسم سجلماسة قليل التداول، إلا أنه لم يعد يمثل المدينة وإنما المنطقة ككل.

      مع بداية الدولة العلوية -حوالي سنة 1037هجرية/1630 ميلادية- استعادت منطقـة سجلماسة بعض أهميتها. فكانت محـط عـناية من لدن معظم السلاطين العلويين، إذ قاموا بزيارتها وحاولوا إحياء بعض أمجادها. وقد عـرفت المنطقة تنمية اقتصادية ومنجزات عمرانية كبيرة، لازالت معالمها بارزة إلى اليوم مثل القصبة السجلماسية، وقصر أولاد عبد الحليم، وقصبة الفيضة، وقصبة آبار وغيرها.

      ويستنتج مما سبق أن النمط المعماري السجلماسي ارتبط بشكل أو بآخر بالمتغيرات الاقتصادية، والسياسية والدينية والاجتماعية التي عرفتها المدينة مع تعاقب العصور. وقد تمكنت هذه الدراسة من الوصول إلى معرفة بعض المكونات المعمارية للمدينة والتمييز بينها، وفق انتمائها إلى ما هو مجال عمومي أو مجال خاص، وإلى ما هو مؤسسة ذات طابع ديني أو سياسي، وإلى ما هو مرفق سكني أو مركز اقتصادي. كما أن الاعتماد على الصور الجوية وصور الأقمار الاصطناعية الملونة، مكنتنا من وضع خريطة مدققة عن المجال وما تحت السطح وعن التخطيط المعماري والتوسع العمراني بالمنطقة. هذه التشكيلات البنائية تغيرت بطبيعة الحال وعرفت مراحل من التوسع أو الانكماش من عصر إلى آخر.

      من جهتها قدمت الأبحاث الأركيولوجية بموقع سجلماسة عدة نتائج وكشفت عن معطيات معمارية مهمة لم ترد في المؤلفات المكتوبة بتفصيل. من أهمها ذكرا لا حصرا المسجد الجامع والتطورات البنائية التي عرفها منذ فترة المرابطين وإلى غاية العصر العلوي الأول، ثم السور الخارجي من حيث مواد بنائه، ومن حيث امتداده ومكوناته. كما قدمت معلومات عن نمط السكن السجلماسي من حيث التصميم، مواد البناء ومرافقه وأيضا عن المنشآت الإنتاجية مثل الصناعة الخزفية من حيث تمركز معاملها وتطورها ومنتجاتها والأدوات المستعملة. كما كشفت التحريات الأثرية أيضا عن بعض التجهيزات المائية كالسدود والقنوات والأحواض والخطارات وغيرها..

يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..

التعليقات

  1. عبد الحق مرامي من محبي سجلماسة

    وللمزيد فلقد كانت سجلماسة المثال النموذجي الأمثل والحي التي قدمت الكثير من الإنجازات التاريخية للحضارة الإسلامية قاطبة..
    كما ساهمت بشكل واقع وفعال في بناء الشخصية المغربية المتمسكة بالأصالة والمنفتحة على كافة الجوانب التاريخية لمختلف للحضارات المجاورة..

أرسل تعليق