حمدة بنت زياد المؤدب.. الشاعرة الأندلسية
هذه واحدة من أشهر النساء الرائدات في مجال نظم الشعر بمختلف مكوناته الأدبية والفنية والتي بلغت شهرتها في زمانها الآفاق العالية بفضل عطاءاتها الأدبية المثمرة ولمساتها الشعرية المشرقة؛ إنها الشاعرة الأندلسية حمدة بنت زياد المؤدب[1] وتلقب كذلك باسم حمزة بنت زياد بن عبد الله بن تقي العوفي المؤدب[2]. وقد سمها الضبي الوادي آشية[3] وكانت تلقب بخنساء المغرب.. وشاعرة الأندلس..
فالبيئة التي نشأت فيها شاعرتنا الجليلة كانت فضاءا خصبا لمختلف الفنون الأدبية خاصة نظم الشعر والتفنن في بحوره المتنوعة ومقاماته الأدبية الرائعة، وقد ذكر المقرئ كلاما جميلا بخصوص مميزات هذه البيئة الأدبية وهو يتحدث عن مدينة وادي آش التي نبغت فيه حمدة بنت زياد المؤدب على أنها “مدينة جليلة من أعمال غرناطة قد أحدقت بها البساتين والأنهار وقد خص الله أهلها بالأدب وحب الشعر“[4].
تميزت هذه العالمة التي ذاع صيتها في مختلف الأرجاء نظرا لغزارة علمها وإقبالها الشديد على العلم والبحث المتواصل في بحور الأدب والبلاغة والأدب والشعر.. فكانت تسهر على تعليم النساء وتعمل على نظم الأشعار في موضوعات اجتماعية متنوعة، وكانت تجيد فن الرثاء وتخالط الشعراء والأدباء من أجل الاستفادة منهم والأخذ عنهم ما تيسر من العلوم والمعارف.. قال في حقها ابن الأبار “كانت أديبة شاعرة يروي عنها أبو الحسن بن البراق وحدثني بعض أصحابنا عن أبي الكرم جودي عبد الرحمان قال أنشدني أبو القاسم محمد بن علي بن البراق أنشدتنا حمزة بنت زياد العوفية لنفسها وقد خرجت متترهة بالرملة من نواحي وادي أش فرأت ذات وجه وسيم أعجبها فقالت: وبين الروايتين خلاف:
أبــاح الــدمع أسـراري بوادي به للحـــسن اثــــار بــــوادي
فمن نـــهم يطوف بكـل روض ومن روض يــطوف بكل وادي
ومن بيــن الظباء مهـــاة رمل سبت لي وقـد ملكت قيادي
لـــها خـــــط ترقــــده لأمــــر وذاك الــــخط يمنعني رقادي
إذا ســــدلت ذوائـــبها عليها رأيت في جـــــنح الـــــدآدي
كان الصبح مــــات له شقيق فمن حـزن تسربل الحداد[5]
ومن نماذج إبداعاتها الشعرية كذلك ما ذكره أبن الزبير أن الملاحي أنشد عن أبي الكرم جودي عن البراق لحمدة ترثي صبيا صغيرا:
يعــــــز عليـــنا، نــــوسدك الثـــرى بمجــــهلة لا دار فيـــــها ولا أهـــل
وقد كنت أرجو أن يطول لك المـدى وأنك إن تـــأت الــــردى تأته مــهلا
على انه ما لــــذة الــعيش للفـتى وغايته شــــــرخا كــــغايته كــــهلا
عليك الســــلام كلنا أنــت فا قتعد ضريحك لا حزنا تبالي ولا سهلا[6]
كما نقل لسان الدين ابن الخطيب عن أبي القاسم بن البراق قال ومن غرائبها:
ولمـــــا أبـــــــى الواشـــون إلا قــــتالنا وما لهم عــــــندي وعـــــندك مــــن ثار
وشـــنوا على آدانـــــنا كـــــل غــــــارة وقلـــــت حــــماتي عند ذاك وأنـــصاري
رميتـــــــهم من مقلــــتيك وأدمـــــعي ومن نفسي بالسيف والسيــل والنار[7]
كما قالت في حقها زينب بنت يوسف فواز العاملية: هي خنساء المغرب وشعرة الأندلس أديبة زمانها وغريبة آوانها كان الأدب نقطة من روضها لها المنطق الذي يقوم شاهدا بفضل لسان العرب ويفتح على البلغاء أبواب العجز ويسد عليهم صدور الخطب فإن أوجزت أعجزت بالمقال وإن طالت كثرت كالغيث الهطال مع مطارحة تذهب في الاستفادة مذهب الحكم وأخلاق تحدث لطف الزهر غب الديم مرمى الترنم بذكرها المتعطر بنشر حمدها وشكرها.. روت عن العلماء الأفاضل وروو عنها ومنهم العالم العلامة أبو القاسم بن البراق وفي مغربه يقول ابن سعيد المغربي قال والدي هي شاعرة الأندلس وكان عمي يقول هي خنساء المغرب[8].
ومن جانبه نقل المقرئ عن ابن سعيد قولا في امتداح نساء غرناطة ووصفهن بالفصاحة فقال: يقال للنساء المشهورات بالحسب والجلالة العربيات لمحافظتهن على المعاني العربية ومن أشهرهن حمدة بنت زياد الوادي ىش وأختها زينب[9].
—————————————–
1.المغرب في حلى المغرب. لابن سعيد المغربي(2/145)، تحقيق الدكتور شوقي ضيف دار المعرفة.
2. التكملة لكتاب الصلة، (4/261).
3. بغية الملتمس، للضبي (545). وآشية هذه هي مدينة بالأندلس قريبة من غرناطة ينحط نهرها من جبل شلير بينها وبين مدينة غرناطة 40 ميلا أنظر صلة الصلة (5/310).
4. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب للمقري تحقيق ذ يوسف الشيخ محمد الباقعي ط:1 1406ه 1986 (1/145/146).
5. التكملة لكتاب الصلة (4/261) للحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله أبي بكر القضاعي البلنسي ابن الأيار تحقيق الدكتور عبد السلام الهراس دار المعرفة.
6. صلة الصلة، (5/31).لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي تحقيق الدكتور عبد السلام الهراس سعيد أعراب 1416هـ 1995م.
7.الإحاطة في أخبار غرناطة (1/489/490).
8. المغرب في حلى المغرب (2/145).
9. نفح الطيب (6/69).
أرسل تعليق