Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

حق الإنسان في البيئة

      من الخصائص المميزة لشريعة الإسلام الإنسانية أنها دين الإنسان، هذا الأخير الذي هو مخلوق الله ذو مكانة خاصة، فهو أكرم المخلوقات على الله تعالى.

      ومن مظاهر التكريم الإلهي للإنسان وتحقيق الخير له أن سخر الله له ما في الكون من مخلوقات وآيات، فقد جعل له السماء سقفا محفوظا، وجعل الأرض بساطا وفراشا، وسخر الشمس تمده بالدفء والضياء، وسخر القمر له نورا وحسبانا، وجعل الليل سكنا وراحة، وسخر الله له النهار للسعي والعمل، وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات والزروع مختلفة الطعوم والأشكال والألوان، وسخر له البحر يحمل سفنه التي تنقله من مكان إلى آخر، ويستخرج منه الطعام والحلي، وأجرى له الأنهار ليشرب منها والحيوان والزروع.

      وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد بسط وهيأ موارد الكون لمنفعة الإنسان، فلا يستعصى أي شيء منها عليه، إذا تيسرت سبله ورعيت سنن الله فيه؛ فإن هذا يعني أن للإنسان “حقا” على تلك الموارد، وهو حق بالمعنى الواسع للفظ يشمل سلطة البحث العلمي عن خواصها وأسرارها، وسلطة الانتفاع بها، بل وسلطة المطالبة بالحفاظ على السنن، أي النظم والقوانين الطبيعية التي أوجدتها الحكمة الإلهية لتسير عليها، وعدم تبديلها أو الخلل بها، لما في ذلك من مساس بحقه، قال تعالى: “سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا” [الاَحزاب، 62]. هذا فضلا عن النهي القاطع عن الإفساد في الأرض بما يدعم الحفاظ على الحق الإنساني في البيئة ومواردها.

      وهكذا قرر الإسلام، وقبل أن تسمع الدنيا عَمَّا يُسمى بحقوق الإنسان بألف وأربعمائة عام، حق الإنسان في البيئة ومواردها سليمة متوازنة كما خلقها الله تعالى، وهذا الحق ليس منحة من قانون وضعي لدولة محددة أو منة يقررها ميثاق دولي أو معاهدة جماعية، إنما هو حق، مثل باقي حقوق الإنسان في الإسلام.

      ولا أدل وأعمق في الاعتراف بمثل هذا الحق البيئي من أن الله سبحانه وتعالى قد جعل “صاحب” هذا الحق، وهو الإنسان، خليفته في رعاية وصيانة “محل” ذلك الحق، وهو الأرض والبيئة.

      إن موارد الطبيعة وثرواتها الكامنة في الأرض ليست ملكا لجيل دون جيل، بل هي ملك للأجيال التالية، وهذا يقتضي الحفاظ عليها وصيانتها من الأنشطة الملوثة التي تضربها، وعدم الإسراف والجور في استغلالها، حتى نورثها سليمة قادرة على الإنتاج والتكاثر للأجيال القادمة.

جريدة ميثاق الرابطة، العدد 838، الخميس 9 جمادى الثانية، 1419هـ الموافق 1 أكتوبر 1998م، السنة الواحد والثلاثون..

أرسل تعليق