Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

بين فقه الواقع وواقع الفقه

دعا غير واحد من الباحثين المعاصرين بجعل الفقه الإسلامي وأصوله يتجاوز بعض أمور الماضي ويتصل بالواقع لتنسجم أحكامه معه في اتساق تام، الأمر الذي سيجعله يستجيب لمقتضيات العصر ويواكب تحدياته.

ونقف وقفة مقتضبة مع أحد رواد هذه الدعوة الجريئة في عصرنا الحالي، ويتعلق الأمر بالأستاذ حسن الترابي الذي يقترن اسمه بالدعوة إلى “تجديد” النظر في الفقه وأصوله في أغلب كتابته وآرائه، ولا يفتأ يعلن عن موقفه هذا حين يردد في أكثر من بحث بضرورة أن نقف وقفة مع علم الأصول تصله بواقع الحياة؛ لأن قضايا الأصول في أدبنا الفقهي أصبحت تؤخذ تجريدا، حتى غدت مقولات نظرية عميقة لا تكاد تلد فقها البتة.

وقد أشار في كتابه “تجديد الفكر الإسلامي” -بعد أن وصف انحصار الطبيعة الدينية للحياة في تاريخ المسلمين- إلى ضرورة أن تنشأ الحاجة الملحة للتواضع على منهج أصولي، ونظام يضبط تفكيرنا الإسلامي، حتى لا تختلط علينا الأمور وترتبك المذاهب ويكثر سوء التفاهم والاختلاف في مسائل تتصل بالحياة العامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدولية وغيرها، مما سيؤثر على وحدة المجتمع المسلم ونهضته.

وفي هذا المجال جاء مقترحه الذي أسماه “نحو أصول واسعة لفقه اجتهادي”، فبدأ الحديث عن القياس كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي، فاعتبر “التقليدي” قياسا “محدودا” يصلح استكمالا للأصول التفسيرية، من تبيين أحكام النكاح والآداب والشعائر، لكن المجالات الواسعة من الدين لا يكاد يجدي فيها إلا القياس الفطري الحر من تلك الشرائط المعقدة التي وضعها له مناطقة الإغريق واقتبسها الفقهاء الذين عاشوا مرحلة ولع الفقه بالتعقيد الفني، وولع الفقهاء بالضبط في الأحكام الذي اقتضاه حرصهم على الاستقرار والأمن، خشية الاضطراب والاختلاف في عهود كثرت فيها الفتن، وانعدمت ضوابط التشريع الجماعي الذي ينظمه السلطان، على حد تعبير الأستاذ الترابي. وهذا ما جعله يقترح قياسا آخر غير القياس “المحدود”، فسماه “القياس الواسع” أو “القياس الإجمالي الأوسع” أو “قياس المصالح المرسلة” الذي يقربنا من فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واعتبره درجة أرقى في البحث عن جوهر مناطات الأحكام، إذ نأخذ جملة من أحكام الدين منسوبة إلى جملة الواقع التي تنزل فيه، وتستنبط من ذلك مصلحة عامة، ونرتب علاقاتها من حيث الأولوية والترتيب. وبذلك التصور لمصالح الدين نهتدي إلى تنظيم حياتنا بما يوافق الدين، بل يتاح لنا ملتزمين بتلك المقاصد أن نوسع صور التدين أضعافا مضاعفة.

ثم دعا بعد ذلك الأستاذ الترابي إلى توسيع دائرة الاستصحاب، بدعوى أن الدين الإسلامي لم يأت بحياة جديدة تلغي حياة قديمة إلغاء كليا وشاملا، وإنما جاء فأصلح ما كان معوجا في الحياة السابقة، وأقر ما كان صالحا، وأضاف إلى هذا كله إضافات جديدة تخدم الإنسان بشكل عام، والإنسان المسلم بشكل خاص.

ويرمي الأستاذ الترابي من خلال دعوته هذه الخاصة بتجديد علم أصول الفقه إلى أن العالم الإسلامي في حاجة إلى نهضة شاملة في كل المجالات التي تؤسس النظام الإسلامي وتقيمه على هدى الشريعة الإسلامية، مؤكدا على أنه لابد أن تقوم هذه النهضة على منهاج أصولي مقدر، علما أن منهج أصول الفقه الذي ورثناه بطبيعة نشأته بعيدا عن واقع الحياة العامة، لا يفي بحاجتنا اليوم، ولا يستوعب حركة الحياة المعاصرة.

ومن أهم ما يمكن ملاحظته حول منهج الأستاذ الترابي في أبحاثه هو اقتران دعوته لتجديد النظر في الفقه وأصوله بالتحولات الكبيرة في واقع الحياة وتطورات المستجدات التي تعج بها ساحة الأمة الإسلامية، مما جعله يدعو لنظر جديد في السياق الظرفي الذي تنزلت فيه النصوص ومقارنته بواقع اليوم لتتجلى علل الأحكام الواردة في النصوص ووجوه تعديتها للحاضر والتعبير عنها في سياق جديد، لاسيما الأحكام العامة التي تنصب مصالح عامة تتوخاها مقصدا للحياة الدينية سلبا أو إيجابا..

ولم يغفل الأستاذ الترابي الحديث عن التحديات الانتقالية للتجديد الفقهي والأصولي، فجعل في أولها عسر التفقه في طور تطاولت وراءه عهود الجمود، ثم ثناها بالحاجة إلى التزود بطائفة واسعة من العلوم الحديثة ومناهجها، وختمها بالإشارة إلى أن الأقضية التي يطرحها مجتمع اليوم المحروم من التربية الفعالة والنظام المتكامل قد تتبدل معالمها متى طرأ التحول إلى الإسلام، مؤكدا على أن هذا كله يزيد الحاجة لمنهج أصولي يضم نشر المواقف الفقهية الممكنة، فيتجاوز القوالب القديمة المتحجرة بينما يضبط مظاهر غياب المناهج الجديدة.

التعليقات

  1. أبو عبد الله المالكي

    اتهم علماء سودانيون الزعيم الإسلامي (!!!!؟؟؟؟!!) الدكتور حسن الترابي بـ"الزندقة والردة والخروج عن الملة" بعد إصداره فتاوى مثيرة للجدل.
    وطالب العلماء بعقد جلسة لاستتابة الدكتور الترابي لعودته إلى الإسلام وتبرؤه من فتواه بجواز إمامة المرأة وزواج المسلمة من غير المسلم نصرانيا أو يهوديا وإنكاره وجود نصوص من القرآن والسنة تمنع ذلك.
    وأضافوا أن أفكار الترابي ليست جديدة، لكنها تأتي في وقت تحتاج فيه الأمة للتوحد لا للتفرقة، محذرين في الوقت ذاته عامة الناس من إتباعه وذلك بالبعد عنه ومفارقته.
    زندقة
    وفي هذا الشأن قال الشيخ صالح التوم أستاذ الثقافة والعلوم الإسلامية بجامعة الخرطوم إن "الرجل معروف بزندقته وهو من الرؤوس الجهال الذين حذرنا الإسلام منهم".
    وأضاف الدكتور التوم في تصريحات للجزيرة نت أن الترابي يسعى إلى ما أسماه تضليل البسطاء من الناس، ناصحا المواطنين إلى "اتخاذ موقف قوى تجاه هذه الأحاديث التي أنكر فيها الترابي نزول المسيح وظهور المسيخ الدجال"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الترابي سبق له أن سب الصحابة رضي الله عنهم.
    كما أعلن بأن كثيرا من البسطاء يتبعونه دون دارية ويسوقهم إلى الضلال والزندقة معتبرا إياه بأنه "ضال عن الطريق المستقيم ويجب عقد جلسة توبة عاجلة لاستتابته والنظر بأمره"، لمخالفته نهج الأئمة وعلماء المسلمين.
    مخالفة صريحة
    من جانبه قال الشيخ يوسف الكودة إن المتتبع لنهج الترابي في تناوله للقضايا الفقهية يجد أنه مخالف مخالفة صريحة، قائلا "إذا أخطأ العالم أو المجتهد فليس ذلك بغريب عليه، ويمكن أن يراجع، لكن ما هو مرفوض أن يجتمع الشر كله في هذا العمل بإنكار ما هو في الدين".
    وأكد الكودة أن ما أفتى به الترابي لا علاقة له بالاجتهاد الشرعي، معتبر كل تلك الفتاوى بأنها "باطلة" لأنها ناشئة عن باطل وأنه لا مكان لتخرصات الترابي وأقواله الغريبة عن الأمة.
    من جانبه قال الداعية الإسلامي الشيخ صادق محمد إن فتاوى الدكتور الترابي فيها "جرأة على الدين وتقول على الله بغير علم".
    وأشار في حديث للجزيرة نت أن تلك الفتاوى تلزم قائلها التوبة والرجوع إلى الله وعدم الخوض في مثلها من جديد.
    أقاويل موثقة
    أما الأمين العام للرابطة الشعرية للعلماء والدعاة الشيخ علاء الدين الزاكي فقد قال إن "أقاويل الترابي قالها من قبل وأعادها هذه الأيام رغم أنه كان يتوارى ويحاول نفيها لكنها، أصبحت هذه المرة موثقة لا تحتمل الخداع وهي تمثل جرما جديد في حق الدين".
    وأوضح للجزيرة نت أن الترابي لا يعظم النصوص وينكر السنة جملة وتفصيلا؛ لأنه لا يفرق بين الأمر الشرعي والأمر الكوني القدري وبين نزول عيسى عليه السلام رغم أنها أمور كونية.
    وأضاف الشيخ الزاكي أن إنكاره لسنة الرسول عليه الصلاة والسلام تترتب عليها كثير من القضايا الثابتة بالجملة باعتبار أنه "يحكم عقله في مقام النصوص، وأي نص لا يتفق معه يرفضه وهذا عمل إبليس"، كما أن هذه أعظم شبهة سرت في الأمة.
    وأشار أيضا إلى أن الترابي أصبح "ينتهج نهج المعتزلة وهو يقدم العقل على النصوص لذلك يجب أن يواجه مواجهة شرعية، إما التوبة وإما يحاكم محاكمة عادلة باعتباره أصبح عبئا ثقيلا على الدعوة في السودان ويثير ما يرتضيه النصارى من تخرصات".
    وتأتي ردود الأفعال هذه بعد أن أقدم الترابي على إصدار فتاوى في ندوة أخيرة

أرسل تعليق