Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الرباط في عهد الحماية.. (3)

2. التهيئة العمرانية لمدينة الرباط على عهد الحماية

عرفت تهيئة المدن المغربية وخاصة منها العتيقة تنظيما نوعيا خلال فترة الحماية اعتمادا على ظهيرين أساسيين وقرارين من الإقامة العامة. فظهير 16 أبريل 1914م، اهتم بالتنظيم وبتصاميم التهيئة والتوسعة للمدن، وبمناطق الحماية وبضرائب الشبكة الطرقية[1]، أما الظهير الثاني الصادر يوم 10 يناير 1955م، فتم بمقتضاه إحداث مديرية التعمير والبناء[2]. وهم القرار الأول الصادر عن المدير العام لمديرية المعارف العمومية والفنون الجميلة والصنائع القديمة تعيين الطرقات والساحات العمومية بمختلف المدن المغربية مع مراعاة وحدة التخطيط الهندسي[3]. وصدر القرار الثاني عن الإقامة العامة وتم بموجبه خلق المجلس الأعلى للتعمير سنة 1945م[4]، كان لاتخاذ الرباط من طرف الجنرال ليوطي كعاصمة سياسية وإدارية للحماية الفرنسية بالمغرب، أثره الكبير في تخطيط مدينة جديدة إلى جانب المدينة العتيقة وما رافق ذلك من تهيئة عمرانية تنسجم مع دورها الدبلوماسي والعسكري والإداري والسياسي. وهكذا تزامنت الإجراءات الأولية للمحافظة على المدينة القديمة مع عمليات تصنيف الأسوار ثم تهيئة الطرق وقنوات الصرف الصحي وعدة مرافق أخرى. فتم تهيئة ساحة سوق التبن وسوق المواد الغذائية السوق المركزية في يوليو 1914م، وتم ترصيف زنقة الجزا بالحجارة وإعادة تهيئة زنقة القناصل. كما تم ترصيف زنقة عكاشة، وسوق الملاح، وزنقة السويقة، وأنجزت مصلحة المعارف القديمة والفنون الجميلة، والمعالم التاريخية عدة ترميمات همت ثمان نافورات بسوق الغزل، وزنقة سيدي فاتح، وزنقة الجزا، وزنقة السويقة، وزنقة القناصل، وسوق السبت، وبُقْرُون.

وابتداءً من سنة 1922م، وبموجب ظهائر الوقاية الفنية، ظهرت ضوابط البناء والتعمير بالمدينة من خلال تحديد مناطق الحماية على مساحة 30 مترا على طول السور الممتد ما بين باب الأحد وباب الرواح.

أما المدينة الجديدة فقد صممت بمختلف أحيائها، وفق تصميم إشعاعي ووفق تعبير رمزي يهدف إلى إبراز سيادة السلطة الاستعمارية وتفوق ثقافة الحماية وحضارتها، وهكذا بنيت الإقامة العامة في أعلى نقطة لتشرف على المدينة القديمة والقصر السلطاني، وتراقب عن بعد عدوة سلا ومجرى أبي رقراق. وانطلاقا من التصميم الذي وضعه هنري بروست[5] -Henri Prost-، جاء إحداث شارع رئيسي يتمثل في شارع دار المخزن ومنه تتفرع باقي الأزقة والشوارع، ويضم هذا الشارع على جنباته أهم المرافق السياسية والإدارية لنظام الحماية مثل دار العدالة، وبناية البريد، وبنك المغرب، ومحطة القطار، فضلا عن المتاجر والفنادق. كما صمم هذا الشارع ليربط بين مسجد السنة والمدينة العتيقة من جهة وبين القصر السلطاني ومقر الإقامة العامة من جهة ثانية.

من جهته اعتمد المهندس ميشال إيكوشار -Michel Ecochard- في تخطيط للمدينة الجديدة على تقسيمها إلى مجموعة من المناطق الوظيفية،[6] وهي كما يلي:

• المنطقة المركزية للمرافق الإدارية والسكنية والتجارية؛

• منطقة الإقامات والترفيه المخصصة للفيلات وللمساكن الخاصة (حي الليمون)؛

• المنطقة الأهلية للساكنة المغربية (ديور الجامع) التي لا يجب ألا تتعدى مبانيها طابقين؛

• منطقة عسكرية خارج النسيج الحضري للمدينة على ساحل المحيط الأطلسي (المحيط)؛

• منطقة صناعية تركزت بحي يعقوب المنصور.

وختاما، يمكن القول بدون خلفيات أن مدينة الرباط حظيت بعناية خاصة من طرف الإقامة العامة للحماية الفرنسية بالمغرب، خاصة باعتبارها العاصمة السياسية والإدارية، وبالتالي فقد عرف نسيجها المعماري القديم اهتماما كبيرا سواء من حيث تصنيف أهم معالمه أو من حيث حماية هذه المعالم بمناطق وقاية يمنع فيها أي شكل من الاستغلال والبناء أو من حيث ترميم ما تصدع من هذه العالم، وبفضل هذه العناية حافظت المدينة العتيقة للرباط على مجمل خصائصها المعمارية التاريخية، وكما هو الشأن في مختلف المدن المغربية التاريخية، خلقت الإدارة الاستعمارية تجمعا حضريا عصريا خارج أسوار المدينة العتيقة يراد منه مظهريا التعبير عن التطبيق الفعلي لسياسة ليوطي الرامية إلى احترام الخصوصيات الدينية والاجتماعية للأهالي أما البعد الخفي لذلك فيكمن في إظهار تفوق الحضارة الأوربية في مجال التعمير والتنظيم العمراني، وهو الطعم الذي تذوقته -فيما بعد- غالبية ساكنة المدينة العتيقة وخاصة منها الميسورة، حيث خرجت من داخل أسوار هذه المدينة لتتوسع في الأحياء الجديدة، وتحاول تقليد الأوربي في معيشته وملبسه، ومسكنه، فعرفت أحياء المدينة العتيقة التفريغ والترييف وخاصة بعد الاستقلال.

—————————————————

1. الجريدة الرسمية، عدد: 78 بتاريخ 24 أبريل 1914، ص: 271، ص: 276.

2. الجريدة الرسمية، عدد: 2204 بتاريخ 21 يناير 1955، ص: 98.

3. الجريدة الرسمية، عدد: 613 بتاريخ 22 يوليو 1924، ص: 1137.

4. الجريدة الرسمية، عدد: 1723 بتاريخ 2 نونبر 1945، ص: 763، ص: 764.

5. PROST (Henri): «Le développement de l’urbanisme dans le protectorat du Maroc de 1914 à 1923 L’Urbanisme aux colonies et dans les pays tropicaux, Paris, Delayance édition, 1931, pp.59-92.

6. (ÉCOCHARD-Michel): «Problèmes d’urbanisme au Maroc», Bulletin économique et social du Maroc Volume XV, n°52, 4° trimestre 1951, pp.1-9.

أرسل تعليق