الدكتور أحمد الخياطي…وسبل تأهيل التعليم الديني
الأستاذ الدكتور أحمد الخياطي عضو المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء، يمتلك تجربة علمية وتربوية ثرية، منذ كان معلماً فأستاذاً للتعليم العالي بكلية أصول الدين، اغتنمنا فرصة مشاركته في فعاليات المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء فأجرينا معه هذا الحوار. حيث تساءلنا مع فضيلته حول جملة من القضايا تهم، بشكل أساسي، سبل تطوير التعليم الديني في جامعاتنا المغربية، وواقع العلوم الإسلامية…
1.لقد عملتم في مجال التدريس سنوات طويلة، هل لكم من مقترحات حول تطوير التعليم الديني في الجامعات، وما هي السلبيات التي تعيق سير التعليم اليوم نحو التميز؟
يمكن إيجاز أهم المقترحات الخاصة بتطوير وتأهيل التعليم الديني في الجامعات المغربية في النقاط التالية:
• وجوب الاهتمام دائما بأحوال الأساتذة، وإكرامهم حتى يبذلوا غاية الجهد والعطاء؛
• التشدد في اختيار قبول الأساتذة الأكفاء، علما، وتكوينا، واستقامة، وبذاك يتحقق المطلوب علميا، ومنهجيا، كما تتحقق الإسوة الحسنة؛
• فسح المجال أمام الطلبة، وإشراكهم في الحوار الثقافي الفعال، وقد مضى زمن: اسمع، واكتب، واسكت؛
• الإقلال ـ بقدر الإمكان ـ من طريقة الإلقاء، وربما بدون فهم، أو تفهيم، أو استنتاج؛
• التكوين الجامعي المتين يستلزم التعامل مع كتب التراث الأصيلة، في جميع ميادين الفكر، وخاصة ما له ارتباط بالتخصص، كما نتعامل مع كل جديد مفيد؛
• تشويق الطلبة للبحث العلمي الموجه، وترغيبهم في مصاحبة الكتب وملازمة المكتبات؛
• إحداث جوائز سنوية، للمتفوقين من الطلبة والطالبات، وفي ذلك ما فيه من استنهاض الهمم وتقوية العزائم، والتنافس البريء؛
أما السلبيات التي تعيق سير التعليم اليوم نحو التميز، فهي كثيرة جدا، ولعل من أخطرها:
• الضعف العام في المستوى الثقافي الذي يصاحب التلميذ، ثم الطالب من المرحلة الابتدائية، إلى الجامعة، وقليل من الطلاب من يستطيع أن يكون نفسه ويبذل جهدا مضاعفا، حتى يتغلب على ذلك الضعف الموروث من مراحله الدراسية السابقة، ويستطيع مسايرة المستوى الجامعي؛
• عدم استقرار المناهج التعليمية التي تجدد بين حين وآخر من غير أن تعطى للأساتذة والطلاب فترة كافية للتفاعل معها، وإبراز ما فيها من عناصر إيجابية أو سلبية؛
• كثرة الامتحانات في دورات متقاربة في التنظيم الحالي، وكأن الجامعة أصبحت مدرسة ابتدائية! فهذا الاتجاه، يحاصر الطالب، ويجعله لا يفكر إلا في امتحان مضى، وآخر يلاحقه؛
• ضيق مساحة البحث العلمي، الذي يعد الأساس في إغناء ذاكرة الطلاب واكتشاف القدرات والمواهب وتنميتها وتوجيهها: ثقافيا، ومنهجيا، وبيداغوجيا..
• استحضار النظرة التشاؤمية للطالب، نحو مستقبله المنتظر في احتضان البطالة، والمصير المجهول، الشيء الذي يؤثر على نفسيته، ومعنوياته خصوصا أنه يرى الأفواج العديدة التي سبقته، تتحطم كتلة الرغبات والآمال على رأسها! ومن ثم يتقمص معنى المثل: أكلت يوم أكل الثور الأبيض!
• عدم الترشيد في استعمال الوسائط التثقيفية من( أنترنت وغيره) كما وكيفا.
2.علم مصطلح الحديث علم في غاية الأهمية، إذ ثمرته فهم الحديث الفهم السليم، ما الطريقة المناسبة للتطبيق العلمي لفهم المصطلح؟
مهما أكثر الطالب من حفظ الأحاديث وروايتها، فإنه لا يستفيد منها الفائدة المرجوة بدون علم مصطلح الحديث؛ لأنه بهذا العلم يعرف أصول الحديث، وفروعه ويشرح مصطلحات أهله ومقاصدهم، ومن ثم لا تتحقق الغاية المنتظرة من النصوص الحديثية إلا به. وأحسن تعريف لهذا العلم تعريف الإمام “عز الدين بن جماعة”، قال: علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن.
والأهمية القصوى التي يحققها علم مصطلح الحديث أو علوم الحديث، هو حفظ الحديث النبوي الذي يعد الأساس الثاني للشريعة الإسلامية، من كل تصحيف أو تحريف، في كل من المتن، والسند. وأي خلل فيهما يقوم بمعايير وضوابط يطبقها طالب الحديث عمليا على النصوص الحديثية التي يتناولها، وبذلك يصل إلى مضامين النص الحديثي.
فالرواية التي تتناقض تاريخيا مع الواقع، تعد باطلة قال سفيان الثوري: “لما استعمل الناس الكذب استعملنا لهم التاريخ”، وقال حفص بن غياث: “إذا اتهمتم الشيخ، فحاسبوه بالسنين: أي احسبوا سنه وسن من كتب عنه”.
والمجرحون من الرواة، تسقط رواياتهم. والأحاديث الضعيفة والموضوعة، لها سمات وضوابط تدل عليها وتميزها، وألفت فيها مؤلفات خاصة.
3.بماذا تفسرون إقبال الناس على التحري لمعرفة الصحيح من الضعيف في الحديث النبوي الشريف؟
نفسر إقبال الناس عامة، وطلبة العلوم الشرعية خاصة، على معرفة الأحاديث النبوية، والتمييز بين صحيحها، وضعيفها، وسائر أقسامها… إلى داعي الفطرة السليمة التي جعلها الله مهيأة لقبول الحق، نافرة من كل باطل..وإلى إشباع رغبة البحث العلمي الذي نرى كثيرا من شباب الأمة، متطلعا إليه، في صحوة مباركة.
وإلى رد الاعتبار لمقوماتنا، ورمز أصالتنا، والحفاظ على هويتنا الإسلامية، التي شرف الله هذه الأمة، بحمل أمانتها، والذود عن حياضها. وإلى الحظوة بنيل رضى ومحبة رسولنا الكريم الذي رغبنا في حمل سنته الطاهرة، والعمل بمقتضاها وإحلالها المكانة الرفيعة اللائقة بها، حيث قال:”بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار”. وقال:”فليبلغ الشاهد منكم الغائب”. وقال: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي”.
ويكفي شرفا وفخرا من يتصدى لحمل هذا الإرث النبوي العظيم: تزكية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ له، إذ يقول: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين”، فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد عدَّل حملة هذا العلم الشريف وخصهم بمزايا الدفاع عن سنته الطاهرة، وذلك بتصحيح ما حرف منها على يد الغلاة، وبفضح تأويل الجهال الذين يسرهم قلب الحقائق، ولي أعناق الآيات والأحاديث لجهل مكين أو لحقد دفين، أو لأغراضهم الخاصة، كما يقوم هؤلاء العلماء بالبحث في الأحاديث، وتمحيصها على جميع المستويات حتى لا يفسد الدخيل والموضوع علينا نصاعة الإسلام وإشراقات السنة النبوية الخالدة.
وأخيرا، وليس آخرا: إن انتشار كتب الحديث ـ على اختلاف أنواعهاـ وكتب علوم الحديث، والجرح والتعديل…
4. إن الفقيه الملم بعلم الحديث، رواية ودراية، تجده أقرب إلى موافقة الصواب، ما هو توجيهكم لطلاب العلم في الاهتمام بالسنة؟
إن المراد بالفقيه، والتفقه في الدين حددته الآية الكريمة: “فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون” [التوبة: 122]؛ فالآية تنص على وجوب النفرة لطوائف مؤهلة لتلقي العلم الشرعي وتبليغه للناس، ولا يجوز أن تخلو الأمة من علماء الشريعة، بأي حال من الأحوال وإلا أثم الجميع؛ لأن حضور الدين ضروري في حياة المسلم، لا ينفك عنه لحظة، مثل الهواء الذي يتنفسه لو حبس عنه لحظة، لاختنق وهلك.
والتفقه في الدين الذي تشير إليه الآية الكريمة، يتطلب عدة علوم، وعدة معارف، وفي مقدمتها، وأوجب واجباتها: القرآن الكريم، وعلومه عامة، والتركيز على أحكام القرآن خاصة، وكذلك الحديث النبوي وعلوم الحديث، بما فيها(فقه الحديث) الذي شرحه جهابذة العلماء، واستخرجوا أحكامه وما أكثرهم ـ كثر الله جمعهم وجزاهم خيراـ وفي طليعة من يذكر في هذا السياق حافظ المغرب الإمام ابن عبد البر النمري القرطبي في كتابه: )التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد( وغيره.
ولا يتم فقه الحديث، ويؤتي أكله إلا بمدارسة الحديث النبوي، وحفظه، ومعرفته حق المعرفة، رواية ودراية وبدون ذلك مع عدم استحضار الدليل، يعد الفقيه ناقص العلم مقلدا. ودراسته للحديث: رواية ودراية، تجعله يفرق بين الصحيح والضعيف منه، ويتلافى أيضا خطر الوقوع في مقتضى الأحاديث الموضوعة..
ومركزية السنة وأهميتها، تتجلى في كونها مبينة للقرآن الكريم شارحة لأحكامه وحكمه، لقوله تعالى: “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون”[النحل: 44]، وقوله: “وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى”[ النجم3-4] وقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه).
وإذا كان لابد من تقديم توجيه لطلاب العلم في الاهتمام بالسنة، فإني أبارك لهم عملهم الدؤوب وسعيهم الحثيث، وجهدهم الذي يضاعفونه قصد الحفاظ على سنة رسولنا الكريم نقية بيضاء…
وأخيرا، إن في السنة النبوية كنوزا، لم تستثمر بعد، يجب البحث عنها، واستخراجها لإصلاح أحوال الأمة كلها في جميع ما تتطلبه حياتها الدينية والدنيوية. والله أعلم.
حاورته الأستاذة عزيزة بزامي
رئيسة تحرير جريدة ميثاق الرابطة
-
كلمة في حق أستاذي الفاضل الدكتور أحمد الخياطي؛
جاورت الأستاذ سنة كاملة أدرس عليه التفسير، فوجدته بحرا لا ساحل له، إذا تكلم فكلامه جواهر ولألئ، أحرى أن تستفيد منه الأجيال.
فأرجو أن يكون دائم الكتابة في جريدتكم الغراء.
-
السلام عليكم ورحمة الله
لقد وضع أستاذنا الفاضل الدكتور أحمد الخياطي يده على بعض أهم المقترحات التي يمكن بموجبها تطوير التعليم في مجال العلوم الشرعية.
فالمنظومة التعليمية /التعلمية تتألف من الثالوث: الأستاذ، والطالب، والمادة المعرفية، وقديما كان الأستاذ هو مركز العملية التعليمية /التعلُمية، أما اليوم فقد صار الطالب هو المحور، ولذلك بدون فسح المجال أمامه للتعبير عن حاجاته وميولاته، ومشاركاته في اقتراح المادة التعليمية، لن يحصل ذلك التفاعل بينه وبين مكونات العملية التعليمية /التعلمية.
كما ينبغي أن يتحول الأستاذ من ملقٍ إلى موجه ومرشد، أما عن المادة التعليمية فقد أصاب أستاذنا الحق حينما أكد على ضرورة التعامل مع كتب التراث ففيها العلم والمنهج.أما أن نستورد مناهج ونحاول توظيفها في العلوم الشرعية دون تمحيصها ومعرفة أسسها المعرفية والتاريخية، بدعوى التجديد وضرورة مواكبة التطورات التي يعرفها الحقل التعليمي، فهذا من شأنه أن يعيق سيرورة العملية التعليمية.
وفي ختام هذا التعليق أتقدم بالشكر لفضيلة الدكتور أحمد الخياطي على صراحته وتوجيهاته التي نرجو أن يؤخذ بعين الاعتبار بها عند كل إصلاح والله ولي التوفيق. -
بسم الله الرحمن الرحيم
جزى الله أخانا وأستاذ الأجيال سيدي أحمد، على حسن تشخيصه لواقع التعليم ببلادنا عامة والتعليم الديني خاصة، وجرد أهم معيقاته التي تحول دون النهوض به، والتي تتمركز حول التمسك بالممارسة التقليدية: تدريسا وتقويما، تلك الممارسة التي عبر عنها الأستاذ الكريم بقوله: (اسمع واكتب واسكت…) والتي يرى البعض من المتمسكين بهذه الطرق المتجاوزة علميا وتربويا، أن التخلي عنها تهديد لخصوصية التعليم الديني، وهذا التصور ـ في حقيقة الأمرـ مجرد وهم وسراب لا يثبت أمام الحقيقة الساطعة التي تعتبر الطرق من قبيل الوسائل ولا تمس الجوهر في شيء (العلوم الشرعية ومحتوياتها) وبالتالي فالاستمرار في التمسك بهذه التمثلات الوهمية سيؤثر سلبا على تحقيق الأهداف المحددة لهذا النوع من التعليم؛ بل سيزيد الشرخ عمقا، والمعيقات تراكما، والتحديات الذاتية تفاقما يصعب رفعها إلا في آجال قد تطول وتطول.
والسبيل الراشد للنهوض بتعليمنا هو البدء بتصحيح التمثلات للعلاقة بين الشكل والمضمون، وبين ما هو من عمق الخصوصية وما ليس منها، وبين الوسيلة التي تقدم بها العلوم تقديما يضفي على العملية التدريسية الحيوية والفعالية، وتشرك الطلبة في بناء معارفهم، ومعرفة مواطن القصور في مكتسباتهم، ويقومون ـ من خلاله ـ أنفسهم بأنفسهم، وبالتاي يعيدون النظر في طرق الكسب والاكتساب للمعرفة، وبين الجوهر.أما التمسك بالقوالب الجامدة مما يرتبط بالطرق والوسائل التي هي في تغير وتجدد دائمين تبعا لتجدد نتائج البحث العلمي/ التربوي، بدعوى أن ذلك من خصوصية تعليمنا الديني التي لا تقبل حتى المناقشة، فذلك من قبيل رفض الإقلاع بوعي أو بغير وعي.
ومرة أخرى أشكر أستاذنا على توجيهه القيم إلى بعض مكان الخلل في تعليمنا، وهو بمثابة دعوة إلى مراجعة لتصوراتنا وممارساتنا في أفق تحسين الأداء والنهوض برافعة الأمم "التعليم الناجح".
" -
بارك الله لنا في شيخنا وأستاذنا الدكتور أحمد الخياطي فقد عهدناه بحرا زاخرا من العلوم، وأرجو أن تستفيد منه الرابطة في ميادين متنوعة منها البحث والتحقيق والنشر وتطوير التعليم… اهتماما يليق بمثله من العلماء الذين قل نظيرهم اليوم.
التعليقات