Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الدعاء والتحرر من إصر الاستعباد

      “لا يكلف الله نفسا اِلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا توَاخذنا إن نسينا أو اَخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين” [سورة البقرة، الآية: 286].

      طلب المؤمنون من الله تعالى أن لا يحمل عليهم إصرا لقوله تعالى: “ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا” [سورة البقرة، جزء من الآية: 286]. الإصر هو ما يؤصر به، أي يربط وتعقد به الأمور، وهو شيء ثقيل يثقل على الإنسان حمله. واستعمل مجازا في العهد أو الميثاق كرابطة يصعب الوفاء بمقتضياتهما كما في قوله تعالى: “قال ءاقررتم وأخذتم على ذلكم إصري” [سورة اَل عمران، جزء من الآية: 81]. ومفاد هذا الدعاء طلب عدم التزام تكليف معين يعجز المؤمنون عن القيام به فلا يثابرون على تحمله. فلا يخفى أن الله تعالى كلف الأمم الماضية من الأحكام الشاقة ما لم تستطع القيام بها كأمر بني إسرائيل بالتيه أربعين سنة، وكتكليفهم بالحرص على توفر جملة من الصفات في البقرة التي أمروا بذبحها وغير ذلك مما يذكره القرآن المجيد[1]، ويحكي جزئياته كثير من المفسرين[2].

      ومهما يمكن أن يقال في طبيعة الإصر التي يتحدث عنها المفسرون، ومهما يمكن أن يقال في شأن الإصر التي قيدت الإنسان على مر التاريخ، ومهما يمكن أن يقال أيضا في مظاهرها، ومهما يمكن أن يقال في شواهدها المختلفة، مهما يمكن أن يقال في كل ذلك، فإن أكبر إصر قيد ولا زال يقيد البشرية هو إصر العبودية لغير الله تعالى. ولهذا  كانت وستظل الغاية الأساسية والأولية في برنامج الدين الإسلامي هي تحرير البشر من هذا الإصر. تحريرهم الروحي والعاطفي والعقلي والمادي من إصر عبودية البشر للبشر. فإصر العبودية لغير الله تعالى هو أصل كل القيود التي تكبل فكر الإنسان، وتأسر عواطفه، وتعوقه عن التمتع بثمرات كسبه المادية والمعنوية.

      إن الاقتصار في الإسلام على عبادة الله وحده وإفراده بالعبودية دون سواه تحرير للإنسان من أفكار وأشخاص وأشياء كثيرة وضعها البشر ليستعبد بعضهم بعضا إما فكريا أو ماديا أو عاطفيا. ولعل هذا ما أدركه إدراكا تاما الصحابي ربعي بن عامر. فبعد أن وجه رستم إليه السؤال قائلا: ما جاء بكم؟ قال: “الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده. ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام”[3]. لقد استجاب الله تعالى دعاء المؤمنين، كما أنبأنا القرآن المجيد في قوله تعالى: “ويضع عنهم إصرهم والاَغلال التي كانت عليهم” [سورة الاَعراف، جزء من الآية: 157].

————————–

 1.  كما في قوله تعالى: “فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم” [سورة النساء، جزء من الآية: 160]، وكما في قوله تعالى: “وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم” [سورة الاَنعام، جزء من الآية: 146].

 2.  يراجع على سبيل المثال الطبري، جامع البيان عن تأويل القرآن، ج: 1، ص: 156. الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب، ج: 7، ص: 143.

 3.  يراجع تفاصيل هذا الحوار في الطبري، تاريخ الأمم والملوك، دار الفكر، 1979م، أحداث سنة 14هـ، ج: 3 ص: 23 وما بعدها.

أرسل تعليق