Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الخطاب الشرعي والقواعد النسقية للتأويل.. (35)

.2 صور حمل المطلق على المقيد.

بعد هذا الإيضاح والبيان، نتعرض الآن لمسالك العلماء في حمل المطلق على المقيد، حيث تتوارد على الناظر حالات وصور منشؤها أنيرد اللفظ مطلقا في نص، ويرد هو بعينه مقيدا في نص آخر، ففي مثل هذا الوضع هل يعمل بكل من المطلق والمقيد في موضعه، ويؤخذ الحكم من مدلول كل منهما على حدة أم يحمل المطلق على المقيد، ويكون المراد بذلك المطلق الوارد في هذا النص هو المقيد الوارد في نص آخر[1].

وفيما يلي بيان لصور الإطلاق والتقييد، حيث نجدها منحصرة في صور أربع. يقول التلمساني: “اعلم أن صورة التقييد إما أن تتحد مع صورة الإطلاق في السبب والحكم معا، وإما أن تتحد في السبب وتختلف في الحكم، وإما أن تختلف في السبب وتتحد في الحكم، وإما أن تختلف الصورتان فيهما معا[2].

الخطاب الشرعي والقواعد النسقية للتأويل.. (14)

الصورة الأولى: اتحاد الحكم والسبب:

وفي هذه الصورة حصل الاتفاق بين العلماء على حمل المطلق على المقيد، وقد نقل هذا الاتفاق الباقلاني في التقريب حيث قال: “وقد اتفق أهل العلم على أن الحكم الواحد بعينه إذا أطلق في موضع وقيد في موضع كان الحكم لتقييده، ولم يعتبر بإطلاقه[3].

أما الباجي فلا يرى الحمل في هذه الصورة، حيثيحمل كل ضرب منهماأي المطلق والمقيدعلى عمومه، لأنه لا اتفاق بينهما، ولو حمل المطلق على المقيد لكان هذا من باب دليل الخطاب،(…) وأنه ليس بدليل فيقع التخصيص به[4]. والمثال الموضح لهذه الصورة قوله تعالى: “حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير” [المائدة، 4] مع قوله سبحانه: “قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة اَو دما مسفوحا اَو لحم خنزير” [الاَنعام، 146]. فالآية الأولى تدل على تحريم مطلق الدم مسفوحا كان أو غير مسفوح، والآية الثانية تنص على أن المحرم على التعيين إنما هو الدم المسفوح، فحصل التعارض في صورة الدم غير المسفوح، إذ الآية الأولى تحرمه بمقتضى الإطلاق، والآية الثانية لا تحرمه بمقتضى القيد، غير أن العلماء تخلص لديهم أن الدم المسفوح هو المقصود بالتحريم، وما سواه من الدم غير المسفوح كالكبد والطحال أو الدم المتبقى في اللحم والعروق فغير محرم، إذ  النص المقيد أصل تبين به المراد من النص المطلق، والحكم في النصين واحد، وهو تحريم تناول الدم، والسبب أيضا فيهما واحد، وهو نجاسة الدم وما يترتب على تناوله من الأذى والضرر،وعلى هذا، فالمحرم ليس هو مطلق الدم بل المسفوح خاصة، وبذلك رفع التعارض وأعمل القيد[5].

يتبع في العدد المقبل

—————————-

1. تفسير النصوص، محمد أديب صالح، 2/200.

2. مفتاح الوصول، ص: 541.

3. التقريب والإرشاد، 3/308. وانظر كذلك مفتاح الوصول، ص: 541.

4. إحكام الفصول، ص: 192.

5. المناهج الأصولية، فتحي الدريني، ص: 680.

أرسل تعليق