Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الحمى..

أتبت العلم الحديث بأن الحُمى هي نتيجةٌ لرد فعلٍ فطري في الجسم الإنسان المصاب بالارتفاع الكبير في مستوى درجة حرارة الجسم الداخلية إلى مستوى أعلى من الطبيعي، وهي من بين الأمراض الأكثر انتشارا في العلم، كما تعتبر مظهرا من مظاهر إظهار التعاطف والتراحم بين المسلمين. ولقد كان فضل السبق لنبينا الكريم في إشارته الشريفة إلى هذه الحقيقة العلمية، حيث قال صلى الله عليه وسلم: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى“.

ومن هذا المنطلق نجد أن درجة حرارة الجسم تخضع لمجموعة من الخلايا العصبية الموجودة بمنطقة تحت المهاد بالدماغ. وعادة يستقر معدلها في (C° 37). وترتفع حرارة الجسم تحت تأثير مواد تدعى -Substances pyrogènes- تفرزها الخلايا البيضاء الدموية عند تعرضها لمواد تعتبرها غريبة عن الجسم أثناء الالتهاب.

ومن تم نجد أن الجسم يقاوم الإصابات التي يتعرض لها سواء كانت جرثومية، أو مناعية، أو ورمية، أو فيزيائية، أو كيميائية، عن طريق الالتهاب كرد فعل فطري، وبحسب شدة هذا الالتهاب تكون أعراضه الإكلينيكية محلية، كانتفاخ، احمرار أو آلام وارتفاع محلي في الحرارة، أو ترافقها أعراض عامة مثل الحمى، وفقدان الوزن والتعب، وفقدان الشهية، وهزال العضلات والأرق..

كما أن رد الفعل الالتهابي يمر بثلاث مراحل وهي على الشكل التالي:

1. مرحلة الاستهلال: يتم التعرف على الخطر عن طريق مستقبلات التعرف التي تكشف الجزيئات المشتركة بين الكائنات الحية الدقيقة. إنها استجابة غير متخصصة لنظام المناعة الفطري. تشارك فيه نوع محدد من خلايا الكريات البيضاء -monocytes, macrophages-؛

2. مرحلة التوسيع -amplification-، تكون في البداية محلية ثم عامة:

• محليا: تنتقل كريات الدم البيضاء -Neutrophiles /macrophages- إلى مكان الإصابة تبتلع المواد الدخيلة وتفرز مواد محلِلة للبروتينات (الجذور الحرة للأكسجين..)، ومواد مضادة للميكروبات، كما تفرز مادتين من السيتوكين (IL1 و αITF cytokines:)، تؤدي هاتين المادتين إلى اتساع الأوعية الدموية، وتنشيط الخلايا والانجذاب الكيميائي للخلايا الدموية إلى موقع الالتهاب؛

• العامة: تؤثر السيتوكينات المذكورة في الدماغ، الشيء الذي يفسر ظاهرة الحمى والوهن، وتؤدي إلى الزيادة من عدد الكريات البيضاء والصفيحات الدموية، كما تؤثر في العضلات التي تصاب بالضمور. أما على صعيد الكبد فأن السيتوكين (IL6)، يؤدي إلى تدفق مواد الالتهاب في الدم. من جهة أخرى تعمل السيتوكينات على تنشيط الخلايا اللمفاوية (B و T)، مما يؤدي إلى رد فعل مناعة متخصصة أو ما يطلق عليه بمناعة التكيف -Immunité adaptative-؛

3. مرحلة الإصلاح: عادة تكون الاستجابة الالتهابية محدودة في الزمن بفضل نظام مراقبة مرحلة التوسيع. يتمثل هذا النظام في إفراز مواد مضادة للالتهاب، فيستقر بذلك التفاعل الالتهابي. وعندما يتم التخلص من سبب الإصابة ينتهي رد الفعل ببطء وتستمر عملية تجديد الأنسجة المصابة إلى أن يشفى العضو.

   فإذا كان الارتفاع الكبير في درجة الحرارة يعد خطرا على الجسم، لكونها تفسد الأنزيمات وتعطل عمليات الأيض؛ فإن الحمى المعتدلة مفيدة له. فهي تنشط مادة (αITF)، ولها دور فعال في إسراع عملية الأيض الخلوي، وإسراع عملية إصلاح الأنسجة. كما تعمل الكبد والطحال أثناء ارتفاع درجة حرارة الجسم على حجز المواد الغذائية فتقل نسبها في الدم. وهذا يحد من عدد الميكروبات البيكتيرية التي تحتاج إلى الحديد والزنك لتكاثرها.

ويقول الدكتور ماهر محمد سالم أن شكوى العضو المصاب هي شكوى حقيقية؛ إذ تنطلق في الحال نبضات عصبية حسية من مكان الإصابة أو المرض على هيئة استغاثة إلى مراكز الحس والتحكم غير الإرادي في الدماغ وتنبعث مواد كيميائية وهرمونات إلى مناطق مركزية في المخ الذي يرسل بدوره أمرا بإسعاف العضو المصاب. فالقلب مثلا يسرع بالنبض لتسريع تدوير الدم وإيصاله للجزء المصاب، وتتسع الأوعية الدموية للعضو ونقبض الأخرى لتوصل إلى منطقة الإصابة ما تحتاجه من طاقة، وأوكسجين وأجسام مضادة وهرمونات، وأحماض أمينية بناءة..

هكذا يتعاون أعضاء الجسم عندما يصاب أحدها، فالدماغ والكبد والعضلات وجهاز القلب والشرايين وكل الأعضاء، تتعاون في سبيل إنقاذ العضو المصاب كل على حسب استعداده ووظيفته.. وهكذا وجب على المؤمنين أن يتراحموا ويتعاونوا ويتوادوا فيما بينهم، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها كما فطر أعضاء الجسم على التداعي لاستغاثة العضو المشتكي.

المراجع

1. صحيح مسلم، كِتَاب الْبِرّ، وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَاب تَرَاحُمِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَعَاضُدِهِم.. ح: 4692.

2. محمد السقاعيد، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، دار اليقين، الطبعة الأولى 2009م.

3. Elaine N.Marieb, Katja Hoehn, Anatomie et physiologie humaines, 8ème édition, Nouveaux Horizons, 2010.

4. Danièle Chappuis, Prise en charge des syndromes inflammatoires inexpliqués en médecine générale (Enquête de pratique auprès de 80 généralistes de haute-SAVOIE), Thèse de Doctorat en médecine, Université JOSEPH FOURIER, Faculté de médecine de GRENOBLE, 03-0CTOBRE-2012.

أرسل تعليق