إن تأثير الانقلاب المريني على الحالة الفكرية، لم يكن ذلك التأثير القوي الذي تتبدل معه معالم الأمور وتتغير مجاري الأحوال؛ لذلك فإن الحركة العلمية قد بقيت في نشاطها وتقدمها، كما كانت على عهد الموحدين. وإن كانت قد اعتراها في فترة الانقلاب بطبيعة الحال شبه انقطاع أو فتور؛ فإنها بعد أن انتصبت الدولة المرينية وتشيدة أركانها قد عادت فاسترجعت ما كان لها قبلُ من القوة والظهور.

نعم لقد استأنفت الحركة العلمية سيرها إلى الأمام في ظل الدولة المرينية التي ما فتئت ترعاها وتُشجعُها بمدِّ يد الإعانة إلى رجالها وتنشيطهم حتى ينصرفوا لخدمتها، بل إنَّ رجال الدولة أنفسهم كانوا يُقدمون لها أجل الخدمات مما لا يقوم به إلا أجلُّ العلماء. إذا كان الواحد منهم يُكبُّ في نشأته على الدراسة والتحصيل ولا يمنعه ما هو مأخوذٌ به من قيود الملك وأدوات الرياسة، أن يدأب على النظر في فنون العلم والمعرفة، حتى يصير من رجالها المعدودين. فقد كان السلطان أبو سعيد عثمان بن يعقوب المنصور من أهل العلم، وكان أخوه الأمير أبو مالك ممن لهم اليد الطولى في الأدب، وعارضةٌ قوية في قرض الشعر، وكان السلطان أبو الحسن بن أبي سعيد من كبار العلماء. ففي حياة والده كان معدودا في أطباء الخاص..

وفي مدة توليه الحكم أكثر من مجالسة العلماء والأدباء ومذاكرتهم ومحادثتهم وكان شديد الإلف لهم، لا يصبر على مفارقتهم وكل جنس لجنس إلف وكذلك أخوه الأمير أبو علي كان محبا للعلم مولعا بأهله منتحلا لفنونه، وله بصر بالبلاغة واللسان، وملكة في نظم الشعر، وهو الذي تنافس مع أخيه أبي الحسن على الكاتب عبد المهيمن الحضرمي في حياة والدهما حتى كادا يقتتلان عليه فألحقه والدهما بمعيته..

يتبع في العدد المقبل بحول الله..

النبوغ المغربي في الأدب العربي تأليف عبد الله كنون، العدد 1-3 دار الثقافة، ج: الأول، ص: 177