Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

اخرج من أوصاف بشريتك عن كل وصف مناقض لعبوديتك

      في هذه الحكمة المباركة يجلي بن عطاء الله رضي الله عنه حقيقة عظيمة هي:

      أنَّ خلْق ربِّ الأكوان للإنسان ودرأه في هذا الكوكب “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الاَرض خليفة” [البقرة، 30]، ليكون له مستقرا ومتاعا إلى حين “ولكم في الاَرض مستقر ومتاع اِلى حين” [البقرة، 36]، قد اقتضى مقصده “اِنا جعلنا ما على الاَرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا” [الكهف، 7]، تقويم الإنسان بأحسن تقويم “ولقد خلقنا الاِِنسان في أحسن تقويم” [التين، 4]، ومن مظاهر هذا التقويم، الوصل العضوي بين الإنسان وكوكب سكناه “إني خالق بشرا من طين” [ص، 71] (أي أن مادة خلق الإنسان كانت هي مادة صعيد هذا الكوكب)، وكذا الوصل العضوي بينه وبين غذائه “فلينظر الاِنسان إلى طعامه، إنا صببنا الماء صبّا، ثم شققنا الاَرض شقا، فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا، وزيتونا ونخلا، وحدائق غلبا، وفاكهة وأبا، متاعا لكم ولأنعامكم” [عبس، 24-32]. ثم ذللت للإنسان هذه الأنعام وصلا عضويا لها به أيضا “أو لم يروا اَنا خلقنا لهم مما عملت اَيدينا أنعاما فهم لها مالكون، وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها ياكلون. ولهم فيها منافع ومشارب، أفلا يشكرون” [يس، 71-73].

      كما بث الخالق في الإنسان جملة من الغرائز، التي بها يُضمن استمرار بقائه إلى حين فوق الأرض كوكب إيوائه وابتلائه، من مثل السكن والمودة والانجذاب بين الجنسين، وحب المال حبا جما، وحب الرياسة، والخوف من المضار، والميل إلى المنافع، والتنافس على المصالح الذي غالبا ما ينحصر في البعد الدنيوي، فكانت هذه الجملة من الارتباطات العضوية الضامنة لحياة النوع واستمرارها، هي مادة العجنة التي عجن بها الإنسان فسُمِّيت “أوصاف البشرية”، وإذ إن ابتلاء الإنسان المحوري هو التزكي “قد اَفلح من تزكى” [الأعلى، 14]، “قد اَفلح من زكاها وقد خاب من دساها” [الشمس، 9-10]؛ فإن المقصود إذن هو الاحتفاظ من “أوصاف البشرية” هذه بما ينفع في السير إلى الله على صراطه المستقيم الذي حَددت معالمَه شِرعتُه، وحملت على السير فيه الأشواق إليه تعالى. وهو ما سماه الشيخ رضي الله عنه العبودية، في إشارة واضحة إلى مقصد خلق الإنسان الأول هذا “وما خلقت الجن والاِنس إلا ليعبدون” [الذاريات، 56]، فالضابط في التزكية إذن هو الاحتفاظ من هذه الأوصاف على ما واءم العبودية، والتخلص مما ناقضها، ومهمة الإنسان المركزية أثناء وجوده المؤقت فوق هذا الكوكب هي التحقق بهذه العبودية من خلال التزكية والتي مقتضاها الأول بعد المعرفة بالمقصود “يريدون وجهه” هي التخلية من الأوصاف والأخلاق والعادات وأضرب السلوك المناقضة للعبودية، والتحلية بتلك الموائمة لها.

      وقول الشيخ رضي الله عنه “لتكون لنداء ربك مجيبا” المقصود به قوله تعالى: “فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون” [البقرة، 38].

      والمقصود بقوله “ومن حضرته قريبا” قوله تعالى: “كلا لا تطعه واسجد واقترب” [العلق، 19]، وما يقتضيه التحقق بهذا القرب، من تشمير ورجاء وخوف “يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم اقرب، ويرجون رحمته ويخافون عذابه” [الاِسراء، 57].

      والله المستعان.

 

 

الأمين العام      

                                                            للرابطة المحمدية للعلماء

أرسل تعليق